ما بين "الشأن العام" و"الشأن الخاص" .. نضيِع ؟
راشد علي المعايطة
07-03-2021 06:40 PM
نحنُ دائماً نخلط بين كثير من الأمور ، لا نستطيع التفريق بين الذات ، والوطن ؛ نعطي القضايا العامة أكثر مِن ما تستحق ، ونهتم بالحياة الشخصية أقل من ما يجب ، هذا ما خطر على بالي حين شاهدت غالبية الاردنيين كيف مهتمين بما حدث في الاونة الاخيرة بشكل مبالغ فيه ، لا بأس أن نهتم بكُل شيء ، فكُل قضايا الكون هي بشكل أو بأخر تهمُنا ، ولكن إذا ظللنا نهتم بالأحداث بهذهِ الصورة ، بأحداث تؤثر فيِنا ، ولا نؤثر فيِها ، سنظَل هكذا إلىٰ أن تنتهي حياتنا دون أن ننجز شيء فيها ، فالأحداث لا تنتهي ، والأعمار تنتهي .. ومتى سنعيش؟
أتذكر قبل خمس سنوات سُئل المدرب المعروف جوزية مورينيو ، عن حدث سياسي ما في اسبانيا .. رد عليهم بجُملة بسيِطة قائلاً : "أنا لا أهتم بالسياسة حتىٰ في بلدي ، فكيف سأهتم فيها هنا" أثار هذا الرد إستغرابي كثيراً ، كيف لشخصية عالمية مِن هذا النوع ، لا يهتم في السياسة في بلده ، وظل هناك تساؤلاً يدور في ذهني .. هل عِندما نهتَم بِالأحداث السياسية ، شيء خاطئ، أم أنه شيء طبيعي ، وأمر عادي ؟
إلى أن وجدت الإجابة في تساؤل اخر ؛ لماذا في أوروبا وأمريكا ، وشرق أسيا لا يهتمون كثيراً بالأحداث السياسية ؟
لدرجة أننا نهتَم فيِهُم ، وبأحداثهم ، أكثر من اهتمامهم فيها، وأعتقد أن العرب ناقشوا موضوع وصول ترامب للرئاسة أكثرَ مِن الأمريكيين أنفسهُم ، ويهتموُن فيِ ديكتاتورية كيم جونج أكثر من الكوريين أنفسهُم ؟
أُفكر أيضاً بكُل الأشخاص الناجحين في كُل العالم ، بالمشاهيِر الذين أُتابعهم ، وبالفنانيِن الذينَ أُعجب بهِم ، ولا أجدهم يعطون السياسة تِلك الإهتمام التي نعطيها نحنُ .
حتىٰ درويش لم يصبِح درويش لأنه أهتمَ بالقضية الفلسطينية وناضل مِن أجلهِا - كما يعتقِد الكثيِر - بل لأنهُ أهتَم بذاته حد إتهامة بالنرجسية ، وأستمرَ فيِ تطويِر عبقريتُة ، ليظَل مشغولاً بكل قضايا الحياة ، وحتىٰ وهو يخطب في مدرستُه ، في زياره لها ، أثناء عودتُه إلىٰ مسقط رأسه ، بعد مُغادرة قسرية أستمرت لأربعين عاماً ، كان يصرُخ للطُلاب قائلاً "أهتمو بحياتكم ، وأنفسكم ، انظرو لِجمال أعماركُم" ولم يقول لهم كِلمة سياسية واحِدة ، أو وطنية ، وبعدها قام بِمُقابلة تلفزيونية ، كانت المحاورة تُريدة أن يَحكي فيِها مُعاناتُه ، وعن الاحتلال الإسرائيلي ، والسلطة في فلسطين ، والخيانة العربية ، وهو يُريد أن يقول لها كيف أستطاع رُغم كُل هَذا أن ينجَح ، وأن يتجاوز ، وأن يهزم الإحتلال بعدَم التأثُر فيه ، وأن أكبر مُقاومة هي عدَم الشعوُر بالإنهزامية ، وهَكذا هُم جميع الفلاسفة ، والشعراء ، والأدباء ، وكل من خلده التاريخ.
لا يجعلون الأحداث تأخذهُم معها ، لا يتأثرون بالظُروف ، ولا يسمحون حتى للقضايا أن تسلبهُم حياتهُم ، فقط يظلون يهتمُون في أرواحهم ، ويسعون في إيصال رسالتهُم الذاتية ، الشامِلة لكُل قضايا الكون ، وفقط.
في فترة ما كُنت شخصياً أُشاهد فيديوهات كثيرة عن الطاقة البشرية ، وهُم يتحدثون عن الذات ، والتغير الفِكري ، والتطور الشخصي ، دون أن ينظرو للظُروف ، أو الأوضاع شيئاً ، ودُون أن يعيِرو الحياة السياسية أي إهتمام ، وأستغرب ، ثم أقول كما يقول العامة ، هذا خبر فاضي ، وأمشي ، لكن مع كل فترة تتغير نظرتي أكثر ، وأصبح أؤمن بأنهم على حق ، وأحاول إزالة الفكرة السائدة الموجودة في عقلنا الباطن ، بأن الوطن هو الأرض والشجر والحجر ، والوهم المُتخيل.
لأُركز بأن الوطَن هو نحن .. وما هو الوطن ، اذا لم نكُن نحن ؟
وأيضاً أحاول إزالة النظرة للدولة ، على أنها السبب في كُل شيء ، وبأن مصيِر بُلداننا ، مقيدة في من يحكمنا ، ومصيرنا مُرتبِط في الظروف ، بل فيِنا نحنُ ، وبشكل أو بأخر ، نحنُ السبب في كُل شيء ، وعندما نهتَم في أنفسنا ، ونُغير فيها ، ونحاول تطويرها ، سيتغير كُل شيء تلقائيا.