تأتي هذه المقالة حول الثقافة وأهميتها، باعتبارها جانباً مترابطاً مع الجوانب: الإدارية والسياسية والاقتصادية التي تشكل منظومة للأصلاح الشامل، والتي سبق أن تعرضت لها المقالات الثلاث السابقة.
ولتبسيط الحديث عن الثقافة، كفهم عام دونما دخول في الآراء الأكاديمية حولها، فهي تشمل مفهومين:
-الثقافة المادية، بما تفرزه من تكنولوجيا وفنون في الأدب والعمارة وغيرها مما يسود المجتمع والحياة المجتمعية.
- والثقافة غير المادية، مبادىء ونظم وسلوكيات فردية واجتماعية ومؤسساتية وإبداعات ونتاجات فكرية.
*وما يهمنا هو التأكيد على دور الثقافة في الأصلاح الشامل، وبخاصة في التنمية المستدامة. فقد أصبحت الثقافة أداة تمكين، وقوة دافعة لنجاح برامج التنمية، واستراتيجيات الأصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فثمة علاقه وثيقة ما بين المستوى الثقافي للمجتمع، ومستوى نجاح البرامج الأنمائية والتنموية.
* ومن هذا المفهوم، يمكن فهم أهمية التغيير الثقافي في المجتمع: افراداً ومؤسسات، ويشمل ذلك منظومة القيم المجتمعية وإعادة ترتيب أولوياتها.
وعلى سبيل المثال، فقد أصبح المفهوم الثقافي للمجتمع الأمريكي، بأنه مجتمع (البوتقة الواحدة) تذوب فيه مختلف الثقافات الفرعية، أصبح مفهوماً قابلاً لأعادة النظر.. وإحياء مفهوم (مجتمع السَّلطة).. فبوتقة السَّلَطة تجمع جميع مكوناتها، ولكن كل عنصر من عناصرها يظل محتفظاً بميزاته ومذاقه وخصوصياته.
ولعل هذا الاتجاه هو الذي عزّز مفاهيم التعددية والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة، الرئيسية منها والفرعية.
*ويؤدي ذلك إلى أهمية الجانب غير المادي في الثقافة، وبخاصة الثقافة النابضة التي تتسم بالحيوية والتجدّد والذاتية: فتصبح عاملاً أساسياً في بناء المجتمع وتعزيز التماسك الأجتماعي ونشر السلم المجتمعي؛ كما تصبح ركناً أساسياً في تمكين منظومة الكرامة الأنسانية، وحقوق الأنسان وحريته.
*أن الأصلاح الثقافي لا ينفصل عن الاصلاح الأداري والسياسي والاقتصادي، وهذا يتطلب تحريك منظومة القيم المجتمعية وإعادة ترتيب أولوياتها، وهي من أصعب علميات الأصلاح والتغيير، فأذا ما اعُتبرت الديموقراطية قيمة مجتمعية، على سبيل المثال، فأنه يصعب وضعها على أعلى سلّم القيم المجتمعية:
-اذا كان المجتمع لا يرى نفسه جديراً بها أو مؤهلاً لها.
-وإذا جاءت من ينابيع خارجية، طوعاً أو كرهاً.
-وإذا افتقرت إلى وجود أشخاص ديموقراطيين.
فقد قيل: لا ديموقراطية بلا ديموقراطيين وهنا يكمن جوهر الاصلاح الثقافي.