مسار وادي عرجان منبع بابيش
عبدالرحيم العرجان
06-03-2021 03:27 PM
وادي عرجان جنة عجلون ومنبع الريان مصدر الخير وأرض التين والزيتون والرمان، خرج العديد من أهل الفقه والتفكر في ظلالة العلماء.
انطلقنا بمسار استجمامي بالقرب من مثلث راسون باتجاه وادي عرجان، وادي الطبيعة وسحرها، والهواء النقي بمخلتف الفصول إلا أن خيارنا بأن يكون ربيعياً مع تفجر الينابيع وغزراة مياهه دائمة الجريان، وتفتح أزهار الأرض ولوزياته، بين أشجار زيتون توارثتها الأجيال والآباء من الأجداد امتداداً إلى الحقبة الرومانية والإسلامية الأولى؛ حسب دفاتر الطابو العثماني، والتي كانت تدفع خراج كبير قبل قيام المملكة الأردنية الهاشمية حيث بلغ ستة آلاف بقجة عن المزروعات ورسوم الطواحين، وضرائبها البالغة عشرين طاحونة ومعصرة في ذلك الزمان، من قوت الناس ورزقهم ولم يقيموا لهم حتى لو قنطرة واحدة أو بيت عبادة أو دار علم ينتفع به.
عند التقاء وادي عبيد بعرجان كانت استراحتنا الأولى قرب عين التنور، ومن مائها العذب كان لنا قدح مما جمعناه من نبتة المليسة العطرية بدل من قدح الشاي، غليناه على الحطب تحت زيتونة جدلت ساقها بالأرض وتمسكت به تشعر بحديثها كالجدة معك والطاقة القديمة التي تجتمع معك؛ فكم من أحد قد جلس أو أخد غفوة مكانك، إلا أننا نخشى عليها أن تقتلع كما اقتلع أخوتها من أرضها، لتنقل إلى قصور وبيوت الأثرياء والذي فُرط بها مقابل مبلغ بخس مع أنها أرث وطني مصان وتاريخيّ.
تخللنا في مسيرنا العديد من مزارع التين والرمان وكروم العنب الذي كان يباع في أسواق فلسطين أو يقايض بقمح بيسان لمحدودية زراعته في الوادي الشقيق للريان ومنبعه، حيثا كانا معاً يسميا بوادي بابيش أبان الحلف الروماني ديكابولس الذي ترك أطلال وقواعد جسوره الحجرية شاهدة ليومنا هذا على اهميته الاقتصادية التاريخية، ومن على كتف الجبل شدنا نزل بيئي جديد أقيم على طراز العقود القديمة لنخطط للعودة إليه بزيارة قريبة لموقعه المميز المشرف على الوادي الممتد أفقه نحو الغرب.
وما بين دورب على كتفيه، مررنا بعدد من الكهوف الواسعة التي استخدمت حتى فترة قريبة للسكن الموسمي الزراعي لقصر وقت النهار واختصار الفترة بدل الذهاب والعودة الى البلدة، قبل شق الطرق وانتشار السيارات وتسمى الإقامة "تعزيب" بالذات أيام جمع الزيتون ويقول المثل في ذلك "أيام الزيت أصبحت أمسيت" لترتحل وتسكنها العائلة بالكامل، كما أن لأهل عرجان عاداتهم المتوارثة بالعمل الزراعي "مبدأ العونة والمقارضة" بأن يساعد الآخر وقت حراثة الأرض ويسده له ذلك وقت جمع ثمار الزيتون ولهذا انتعش الوادي بما فيه من خيرات وكثرت بساتينه.
ومن اسماءه المعروفة خيط اللبن، وجاء الاسم صفة على أثر تغير لون ماء سيلة إلى الأبيض مما كان يسيل من أكياس صنع الأجبان المعلقة بجذوع الأشجار، وأيضا وادي الطواحين لكثرتها، وبقي أطلالها خمسة "الدرويشية والحدادية والشيخية" وأشهرها طاحونة عودة التي بنيت 1596م حيث كان يجر الماء إلى برجها العالي عبر قناة حجرية لينهمر على دولاب خشبي يشبه الناعورة يحرك بدوره حجر الرحى لطحن الحبوب أو عصر الزيتون الذي ينساب منه الزيت عبر القنوات إلى جرون صخرية للفلترة من الشوائب والممكن إعادة إصلاحها وترميمها، وعندها انتهى مسارنا الاستجمامي مع غداء خفيف "حوسة" وفول أخضر وعكوب بالزيت وخبز طابون في إحدى البساتين بعد الاستئذان من صاحبه بالاستراحة فيه وأكرمنا باكمال سفرتنا بزيتون وزبدة مع دبس رمان وفجل، قد تم اقتلاعه من ارضه، إضافةً لحديث طيب عن العونة والتعزيب، منهين بذلك ثمانية كيلو مترات بمسار متوسط الصعوبة.
وفي عالمنا العربي عدد من المواقع سميت بذات الاسم "عرجان" بطور الباحة اليمنية ضمن محافظة لحج، كما في المغرب ضمن إقليم بولمان وهي إحدى المشيخات، وإحدى أحياء العاصمة عمان وكذلك اسم لقبيلة عرجان ذات الأصل من قحطان.