معايير جديدة لإعادة تشكيل مجالس أمناء الجامعات
أ. د. انيس الخصاونة
06-03-2021 02:47 PM
تتداول وسائل الإعلام التغيير المزمع على رؤساء وأعضاء مجالس أمناء الجامعات وسط حالة من الترقب والقلق الذي يساور بعض رؤساء الجامعات وكذلك أعضاء الهيئات التدريسية فيها. هذا القلق نابع من شعور بالإحباط الناجم عن أداء هذه المجالس في السنوات الثلاث الماضية ،وتغول بعض رؤساء وأعضاء هذه المجالس على رؤساء الجامعات والصلاحيات المخولة لهم بموجب قوانين التعليم العالي والجامعات الرسمية. تغول بعض رؤساء مجالس الأمناء يتحول أحيانا إلى تنمر خصوصا عندما يتصادف ذلك مع وجود بعض رؤساء جامعات مسالمين وتعوزهم الإمكانات والخصائص القيادية والشخصية لإشغال هذا الموقع الأكاديمي المتقدم.
من يتابع تشكيلة رؤساء وأعضاء مجالس أمناء الجامعات يمكنه ملاحظة أن نسبة منهم ليسوا أكاديميين، وغير مطلين على طبيعة العمل الجامعي حتى لو كانوا يحملون درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعات، بعضها معتبرة وبعضها بعيدا نسبيا عن الاعتبار، وفقا للمعاير والتصنيفات العالمية لرتب ومكانة هذه الجامعات. هنا قد يقول قائل بأن مجالس الأمناء قصد منها الإفادة من أفكار القطاع الخاص، وإدماج مصالح وحركة سير المجتمع في خطط الجامعة ومسيرتها، ناهيك عن إمكانية استغلال هذه المجالس لتأمين بعض التبرعات من القطاعات الصناعية والتجارية والأهلية لصالح الجامعات التي تعاني من إعسار مالي لم يعد خافيا على أحد. والحقيقة أن أي من ذلك لم يحصل في معظم الجامعات ولم نرى أثر لا لتضمين خطط الجامعات ومنظوماتها القانونية لرؤى مجتمعية تتعلق بحركة سير المجتمع واتجاهاته التنموية والسياسية والاقتصادية، ولا لمسنا تبرعات مالية أو عينية نجمت عن مساعي رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء.
تجارب الجامعات الأردنية مع بعض، إن لم يكن جل، مجالس الأمناء ليست سارة ولا تبعث على التفاؤل، ففي بعض الحالات يصبح أبرز اهتمامات رئيس المجلس وبعض أعضاءه استهداف رئيس الجامعة أو نوابه أو عمداء الكليات ويخلق حالة من الاستقطاب (Polarization) في الجامعة مما يؤدي إلى بروز حالة إدارية شاذة ومدمرة وفقا لأبجديات الفقه الإداري والقانوني تتمثل في وجود راسين لجسد واحد أو رئيسين لنفس الجامعة ،وهذا يسبب اختلالات في مبدأ إداري معروف وهو وحدة الأمر والقيادة(Unity of Command).
سقنا ذلك التوصيف المؤسف للأداء والإنجازات المتواضعة، إن لم تكن المعدومة، لمجالس أمناء الجامعات الأردنية ونحن ندرك أن الحكومة ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي على وشك البدء بإعادة تشكيل مجالس أمناء الجامعات. مجالس أمناء الجامعات يمكن أن تكون مهمة أو هامشية أو أحيانا ضارة وذلك حسب اختيار رؤساء وأعضاء هذه المجالس، فتشكيلة المجلس وحسن اختيار رئيسه وأعضاءه يلعب دورا هاما في تحديد حجم منافعه وفائدته.
نأمل أن يتوصل مجلس التعليم العالي إلى اختيارات موفقة تراعي عمر الرئيس أو العضو إذ ليس من المعقول أن تعمد بعض مجالس الأمناء لتقييد التمديد لأعضاء الهيئة التدريسية لسن 75 في الوقت الذي تتجاوز أعمار بعض رؤساء وأعضاء هذه المجالس للثمانين من العمر! .من جانب آخر نأمل أن نستفيد من تجاربنا مع رؤساء مجالس الأمناء الحالية لنركز في اختيار المجالس المقبلة لتكون أكثر شبابا، وأكثر استشرافا للمستقبل، وأكثر إلماما ومعرفة بالعمل الأكاديمي ،وأن لا تشكل الأبعاد السياسية المعايير الرئيسة في الاختيار، فقد جربنا ورأينا نتائج اختياراتنا الخاطئة لبعض رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء الذين ينجرون إلى معارك جانبية وشخصية على حساب الهدف الأسمى وهو مصلحة الجامعة ومستقبلها.
أعتقد أن المشرعين قد جانبهم الصواب بإغفالهم شرط العمر لرؤساء وأعضاء مجالس الأمناء وإبقاء الأمر مفتوحا لمن يمكنه أن يكون رئيسا أو عضوا في مجلس أمناء جامعة بغض النظر عن عمره الميمون. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مدعوة لدراسة موضوع مجالس الأمناء وخصوصا في جانبين مهمين اثنين هما: موضوع العمر وضرورة أن لا يتجاوز الخامسة والسبعين سواء لرئيس أو أعضاء مجلس الأمناء ،والجانب الثاني متعلق بالتداخل بين مهام وصلاحيات مجلس الأمناء والصلاحيات التنفيذية لرئيس الجامعة وفريقه الإداري.
مجالس الأمناء بوضعها الحالي تشكل عبئا ثقيلا على الجامعات ولا تضيف جديد، لا بل فإن هناك اعتقاد في بعض الأوساط الجامعية أن تجربة مجالس الأمناء بطريقة تشكيلها الحالية تجربة غير ناجحة، وأن هذه المجالس المسنة أصبحت نفسها من أبرز التحديات التي تواجه إدارات الجامعات التي أضحت تعاني من التغول والازدواجية في الإدارة والتعدد في المرجعيات. نأمل أن نرى تغييرا في النهج في التشكيلة القادمة لمجالس أمناء الجامعات فحساسية الوضع لم تعد تحتمل المغامرة في اختيارات غير موفقة تعيق مسيرة الجامعات ودون أن تعود بأدنى فائدة فهل من مدكر؟