الغِذاءُ والدَّواءُ: مهنيَّةُ الرَّقابةِ واحتِرافُ الأداءِ
د.طلال طلب الشرفات
04-03-2021 08:21 PM
في جائحة "كورونا" وما رافقها من ضغوط صحيّة واجتماعية واقتصادية حاولت فيها معظم المؤسسات العامة أداء واجبها بما يمكننا من تجاوز هذه الأزمة بثقة واقتدار، إلا أن المؤسسة العامة للغذاء والدواء تميَّزت في أدائها ونجحت في حوكمة جهودها بما يمكنها من التعاطي مع هذه الجائحة بأقصى درجات المهنيّة والاحتراف والمرونة والحزم لا سيَّما في التواصل مع الأفراد والمؤسسات بطريقة تعكس حرصاً أكيداً على أداء الواجب وتؤشر على قيادة فاعلة ومؤثرة نجحت في مواكبة الأزمة بإيجابية يمكن ملاحظتها بوضوح.
كنا نقول دائماً إننا بحاجة إلى قادة لا كبار موظفين قادرين على التفكير خارج الصندوق الذي أرهق الإدارة العامة، وكنا نؤكد أن الشفافية واحترام سيادة القانون لا تعني أن يتحول المسوؤل إلى أيادٍ مرتجفة والقرار الإداري إلى مشروع خوف، بل أن النزاهة تفترض المرونة والحزم والمساءلة وتجاوز صغار الأمور، والانحياز لحسن النية لا للسلوك الجاف الذي لا يفرّق بين القصد والخطأ. فكل هذه المفاهيم تجسدت في أداء المؤسسة العامة للغذاء والدواء منذ بدء الجائحة وحتى الآن.
لم يسبق لي أن التقيت مدير المؤسسة من قبل، ولكني ألمس تميزاً رقابياً مهنياً واقعياً في قطاعي الغذاء والدواء في الجوانب المتعلقة بالجائحة. وإذا كانت بعض المسائل المتعلقة بالرقابة الدوائية المتعلقة بتسعير الأدوية واعتمادها ومهننة السلوك الفردي لمراقبي الغذاء وفق قواعد النزاهة الخالصة تحتاج إلى جهد إضافي بعد تجاوز الأزمة، إلا أن الجهد الوطني المتميز لقيادة المؤسسة وكوادرها تظهر اهتماماً عالياً بالرقابة وتوفير المستلزمات الدوائية والصحية، وتشي بأنَّ ثمَّة خطط ناجزة يجري تطبيقها وتعديلات جذرية في أساليب البيروقراطية يجري التخلص منها شيئاً فشيئاً.
الحرفيَّة والشجاعة الوطنية في التعامل مع الإجازة الطارئة للمطاعيم تثلج الصدر ، والرقابة اليومية الاستثنائية على الصيدليات ومستودعات الأدوية تجعل من كل من يحاول أن يستقوي على المواطن في حالة قلق دائم من موجبات المساءلة الفورية، وتغليظ العقوبات الناشئة عن المخالفات المؤثرة تحقق متطلبات الردع العام والخاص على حدٍ سواء، والتواصل الإعلامي الناجح والمنفتح مع كافة وسائل الإعلام يؤشر على ثقة كبيرة في حسن الأداء وشجاعة القرار.
واجبنا دائماً أن نعزز دور المؤسسات الرقابية على أساس التكامل بين أدوارها وليس التنافس بينها؛ لتحقيق إنجازات فرعيَّة، والتوأمة الوطنية الحقيقية التي آمل أن تنشأ بين مؤسسة الغذاء والدواء، وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لإيجاد التحقيق الاحترافي والذي هو نتاج إيجابي لتكامل المؤسسات، وعلى الأخص في الجرائم المنظمة المتعلقة ببعض المتعاملين في قطاع الأدوية، وحوكمة الرقابة على المطاعم وقطاع الأغذية. وفي ظني أن الحكومة داعمة لهذا التوجه بثقة ومجلس الأمة بغرفتيه الأعيان والنواب سيكونان الداعمين الكبيرين للمؤسسة في أداء عملها بموضوعية وشجاعة واحتراف.
جائحة "كورونا" كان لها اثر كاشف على مدى قدرة المؤسسات في التعاطي مع الأزمات والنوائب، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء نجحت في الاختبار حتى الآن، وإذا كنا نحيي هذه المؤسسة الفاعلة وقيادتها وكوادرها فمرد ذلك أن التحديات الوطنية تستدعي استحضار قصص النجاح الوطنية والتي تستوجب الثناء؛ لتكون قدوة لغيرها ومحاكمة حالات الإخفاق ومساءلتها وحوكمة أدائها من جديد.
بوركت السواعد التي تعمل من أجل الوطن وتعانق الحرص لهذا التراب المقدس.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!