عقل بلتاجي: عندما يصبح الوفاء ضرورة
د.طلال طلب الشرفات
03-03-2021 06:16 PM
عقل بلتاجي الرجل الذي تتسلل ابتسامته الرقيقة من محيا يغلّفه العنف المؤقت. هو شخصية استثنائية في الحياة العامة الأردنية؛ بل إن معظم العلاقات السياسية معه من النخب نشأت عن اختلاف أو خلاف مؤقت سرعان ما انقلبت إلى علاقة استثنائية، سيما وأنه زعيم العذر الجميل والرد الواثق لكل اعتذار عن شأن أو تبرير لقرار. وهو فوق كل هذا وذاك دمث الخلق وحسن المعشر وصادق التفسير لكل حدث وشأن,
عرفت أبا الليث عندما أكرمني بحضور عزاء والدتي رحمها الله رغم عدم وجود علاقة تجمعنا قبل ذلك، ورغم شدة المطر وبرودة الطقس وقتذاك، ومن وقتها شعرت بجميل تجاه الراحل العزيز وحرصت أكثر على فهمه والاقتراب منه كلما كان ذلك متاحاً، وقد كان صاحب واجب مع كل العمّانيين وبعض الأردنيين في الملمات والأفراح على حدٍ سواء، ورغم نزعته الإنسانية الا انه كان محترفاً في الهروب بلباقة من الطلبات التي تتضمن مخالفة للتعليمات او خدشاً للقانون الى الدرجة التي يخرج فيها طالب الأمر راضياً من دهاء التفسير ورقّة الاعتذار.
التقيته قبل شهرين في منزل الصديق والزميل العين المهذب صخر دودين، حينها دعوته لأولم له فوعدني بتلبيتها بعد أن تخف الجائحة. كان يومها مقبلاً على الحياة بأمل، كان يحب الناس بتلقائية غير مسبوقة لا يعظمها سوى بساطة الحضور التي رافقت الرجل في كل موقع أو مقام. كان خلافياً بالطبع في أوساط النخب لكثرة المواقع التي شغلها، وله منتقدوه وحاسدوه، لكنه لم يسجّل عليه أي أمر يخل في مروءته أو ذمته في حدود ما أعرف، بل إن خصومه كانوا من أوائل الذين رثوه في رحيله الموجع الأخير.
تحمل أبو الليث الكثير واحتمل الأذى أكثر ، ولكنه كان دوماً مثالاً حياً لقبول الرأي الآخر، ولم يكن إقصائياً أو رافضاً للآخر بل قدم خدمات جليلة واستثنائية للوطن في وزارة السياحة واتخذ قرارات ناجحة أسهمت في تطوير السياحة في الأردن وفي مقدمتها السياحة الدينية. وحتى في إشغاله لموقع أمين عمان كان بارعاً في اتخاذ بعض القرارات التي كان لها دور بارز في تطوير المدينة، ولم يكن الراحل شخصاً عادياً بل كان استثنائياً اتفقنا معه آم اختلفنا، بل أكثر من ذلك فقد كان بارعاً في طي ملفات العتاب دون التفاتة للخلف أو وقفة عند غضب.
رحل عقل بلتاجي الذي عشق عمان وتغنى بها، وبقيت فلسطين على مرمى الحب من قلبه الرقيق، فقد رحل عن هذه الدنيا الفانية وبقيت ذكراه الطيبة التي ستبقى خالدة في قلوب محبيه، وسيطوي ثرى عمان الحبيبة جسد أبا الليث الذي عشق ترابها وهواءها العليل. نسأل الله له الرحمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
"إنا لله وإنا إليه راجعون"