كيف ينظر الأردنيون الى مستقبلهم؟ أفراداً ومؤسسات ونحن على أعتاب حركة العبور للمئوية الثانية كمنطلق لاستشراف زمن آت تختلف فيه القوى والمتغيرات وسياق التاريخ والفاعلين في تشكيل المستقبل الإنساني؛ هل نحن مستعدون لهذه الانتقال الزمني رصداً وتحليلاً وفهماً؟ وما يترتب على ذلك من أهمية توفر التفكير المستقبلي بنيانياً في العقل الجمعي الرسمي والشعبي.
إن الانسان مجبول بفطرته على الاستعداد للمستقبل وتختلف فاعليته وقدراته في ذلك وفقاً لمرجعتيه في التفكير وما يعايشه في الواقع، وما الدول الا نتاج حركة فكر افرادها وتطلعهم الى أن يحقق كيانهم التغيير المنشود للأفضل، يقول آلفن توفلر وهو من كبار مستشرفي المستقبل أن التفكير وتطوير الدارسات المستقبلية هو ضرورة لاستمرار بقاء المجتمع وعليه فإن عدم الالتفات الى المستقبل منهجياً من المؤسسات وفكراً وتوحداً من قبل الافراد يعني أن هذا المجتمع ربما قد تتقلص فرصته في تشكيل المستقبل في موجات التغيير المتسارعة وعليه يتهدد بقاءه! ولا يمكن أن يكون الاستعداد للمستقبل عملية آنية أو جهود عشوائية هنا وهناك أو أن يكتسي بعبارات ونصوص براقة، بل بتأسيس وترسيخ مناهج علمية رصينة لاستشراف المستقبل تستند الى رؤية قادرة على الالهام تتجاوز رؤية الفرد نحو رؤية وطنية جامعة عابرة للأشخاص تلخص الأردن الذي نريد.
وفي سبيل تحقيق ذلك فإن العبرة والاعتبار في قراءة التاريخ وفهم أحوال من حكمت عليه الجغرافيا والسياسة وشح الموارد في مئوية قد خلت، مدخل أساسي للإيمان أن المستحيل ممكن وأن الرؤية الاستشرافية تتحقق بالوعي المطلق بمعادلة العلم والتخطيط والعمل للوصول الى نتائج ينشدها الجميع وقوام هذه المعادلة الاستثمار بالإنسان تعليماً وتمكيناً وتهيئة المجتمع كله لا تكبيل ذهنه بحجم التحديات وقصر ذات اليد! أنها علاقة شرطية أثبت التاريخ فاعلتيها، سنة الاستباقية والبحث في السياق الزمني البعيد لا الانشغال بالهم اليومي وسبل النجاة الآنية. إن صياغة رؤية وطنية جامعة لمستقبل الأردن في وقت سرعت فيه جائحة كورونا نظم الاعمال والإدارة والتعليم والصحة وقيم المجتمعات، بات ضرورة ملحة وأفضل تعبير عن الاحتفال بالمئوية الأولى، رؤية تعكس الأردن الذي نريد في سياقات قابلة للتنفيذ والمتابعة تقوم على صناعة المستقبل لا ثقافة الحيرة والانتظار وأن نمتلك مستقبل لنا لا علينا وهذه الصناعة ينبغي لنا أن تجذر في الإدارة العامة وهي الحبل الموصول بين العابرون على قيادة المؤسسات وهؤلاء القادة عليهم أن ينتموا الى المستقبل فكراً وعملاً لا أن يحكم الماضي على قراراتهم، عليهم أن تتصدر إنجازات مؤسساتهم المشهد لا أن يكونوا ابطال المنابر والشاشات. إن صناعة المستقبل ينبغي لها أن تؤسس لفصل جديد ومختلف للثقة بين الأردن الرسمي والشعبي ونمط جديد من اتخاذ القرار الاستراتيجي بصورة واعية تستشرف التحديات الوجودية بشكل استباقي وفاعل. أنها فرصة جديرة بالمحاولة من اجل الأردن الذي نتطلع اليه جمعياً.