كثر الحديث عن الالتزام بالأيقونات التي تحمي من فيروس الكوفيد19، حتى أصبح من التكرار الممل، ولكن كلما عاد المنحنى للارتفاع، وتذكرنا كم فقدنا من ضحايا هذا الفيروس نضطر إلى تركيز الاهتمام على حالنا، فبعد سنة من انتشار هذه الجائحة نتساءل: كم عانينا؟ وكم خسرنا؟ وكم شاخت نفوسنا قبل وجوهنا وكم وكم؟ ولعلها من نعم الله على الإنسان أنه لا يرى حجم التغييرات على نفسه وجسده، لكنه بالتأكيد يلاحظ حجم التغييرات على الآخرين.
الأصل أننا شعوب متعلمة ومتحضرة نلتزم من ذات أنفسنا، ومن نتاج وعينا، ومن التجارب الصعبة التي عايشناها، لكن حينما نسمع عن موائد تقام، وأعراس، وطقوس دفن تنقل العدوى لمئات، نعرف أن منا ما زال يعيش في زمن ما قبل الكوفيد، بل هو خارج التغطية تماما، علما أن عددا منهم كان يتألم على وسائل التواصل الاجتماعي لفقده أعزاء بسبب الجائحة! لكن كيف يعود إلى الممارسات الأولى التي أدت إلى ذروة المنحنى قبل شهور، فهذا من عجائب النفس البشرية، ولا أعرف إن كانت خاصة بالمجتمعات العربية أو هي كذلك عند جميع الشعوب، ولعلها تحتاج إلى دراسة معمقة من ذوي الاختصاص.
لا أظن أن تغليظ العقوبات يفيد ما لم يتغير الإنسان من داخله؛ لأنه لا يعقل -مثلا- أن يدخل الأمن إلى المؤسسات ليخالف الناس على عدم الالتزام بارتداء الكمامة، أو يتراكض خلف حاضري الأعراس ليخالفهم! وهل يعقل أن يخالف الأمن على ارتداء الكمامة بصورة غير صحيحة أو قدمها التي أُثبت أنها ربما كان ضررها أكثر من نفعها.
أما أولئك الذين يخلعونها عندما يبدؤون الحديث مع الآخرين أو يضعونها على ذقنهم، فهؤلاء قصة أخرى، فهل يعقل بعد سنة من الجائحة لم يعرفوا بعد أن المشكلة في أنوفهم وأفواهم؟!
لا يعقل أن نضع رجل أمن على أفواه الناس وأنوفهم لنحميها، ولا في رحلاتهم التي يتركون خلفهم مئات من الكمامات على الأرض لتنقل القذورات والفيروسات في كل الاتجاهات...فهل يجيء يوم نصبح فيه قادرين على تحمّل مسؤولية الحفاظ على أنفسنا، وعلى الآخرين؟
مع الفهم الكامل للتوازن بين الصحي والاقتصادي وتضرر الناس... فقرارات الحكومة( أعانها الله) أيضا محيرة؛ لأن فتح المطاعم- يعني خلع الكمامة؛ ونفذ الدخان المحمّل بالفيروس في كل اتجاه؛ فالناس في المطعم لن يأكلوا ويشربوا ويدخنوا من فوق الكمامة، ناهيك عن إمكانية نقل الفيروس عن طريق عدم الالتزام بالتباعد وبالتعقيم في بعض المطاعم، وكذلك الأمر في النوادي الرياضية، فهل يتريض الإنسان ويتنفس في الصالات المغلقة بوضع الكمامة؟! وهل يمكن لطائرة هليكوبتر أن تطير في الأجواء الأردنية بدون موافقة وبيان السبب...؟!
إن كل ما نراه يثبت أن الناس قلما يلتزمون؛ لأن من يملك المال لا تهمه المخالفة، وربما المرض؛ لأنه قد يعتقد أنه قادر على الطيران لدول مجاورة للعلاج! والفقير أصيب بالإحباط لدرجة لم يعد يهمه المرض بقدر توفير قوت يومه، وبالتالي لا حل يبدو في الأفق إلا في التطعيم المكثف، وبدلا من أن نبقى نتحدث عن الأرقام التي صدعت رؤوس الناس، وعن وضع الاستراتيجيات( مع التقدير لكل الجهود الحكومية والإعلامية) علينا أن نسارع إلى التنفيذ، وإلزام الناس بالمطعوم بطرق غير مباشرة أو مباشرة طالما أن الفيروس قاتل للآخرين، ومدمر لنفوسهم، وللاقتصاد الوطني.