سطر الأردن ومنذ وجوده بصمة واضحة في صفحاتِ التاريخ بفضلِ ما تبناه من مبادئ تتسم بالثبات فكانت قناعاته بأن العدلَ والحرية من أبجديات الحياة الكريمة وأن القدرة على اتخاذ القرار يوجد السعة في مخرجات الإنجاز وأن أصحاب الأرض هم من يقفون على مصلحتها ويسيجون حدودها فلا حارس للأوطان إلا ابناؤها ولا يعشقها إلا من نزل من رحمها وشرب من ضرعها وتوسد ترابَها، فمن هنا ما كان استناد الأردن إلى هذه الرؤى إلا بمثابة الفيصل بين الحقِ والباطل حيث تعززه هذه الإرادة من إتجاه القيادة الحكيمة لآل هاشم الأخيار الذين زرعوا الأفكار ?لقوميةَ المنادية بالحرية ورفض القيود الإستعمارية المتلونة بتلون مسمياتها.
إن تعريب قيادة الجيشِ العربي يعتبر من أبرز المحطات المضيئة في تاريخ الأردن فما كان قرار الراحل العظيم الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه إلا بمثابة تأكيد واضح على أن السيادة الأردنيةَ من الأمورِ التي لا تقبل أنصاف الحلولِ فكان العام ١٩٥٦ نقطةَ تحول مفصلية في تاريخِ الأردن بالرغم من الأبعاد الخطيرة والتحديات الكبيرة التي رافقت هذا القرار إلا أن الثقة الكبيرة بأشاوسِ الجيش العربي أوجدت القناعة بالقدرة على التغلب على هذه التحديات والقدرة على الثبات بوجه هذا المنعطف الحرج فقرع الطبل الرجوج وأمر الحسين الغريب ب?لخروج وشدت السروج وأُوكل إلى الفرسان راية الخيل فغلى الدم بالوجوه وشمرت الزنود فلا يقاد من اعتاد أن يقود وحمى عرين الأسود بالأسود فكان القول بحجم المقام وتحققت الأحلام وتسابق الأبطال على الإقدام فسارت الأقدام وزرعت بكل خطوة نخلةٍ وكتبَت الأقلام وسطرت بكل كلمة نقلة ونهضت العزائم التي رفضت الرضوخ واستهلت الوجوه التي لا تقبل إلا بالشموخ فصدق الوعد بالمجد وتكلل العمل بالجد ووردت أبكار بني هاشم العد فولد الغد الأجمل من نسل يوم ما شابهَ الأيام واتجهت الأعوام بفضل ذلك العام إلى عز يطاول عنان السماء.
إن إصرارَ الملك الراحل على تفعيلِ دور الضباطِ العربِ في الجيشِ العربي المصطفوي وتعميق مدى الاستراتيجيةِ الدّفاعية للقواتِ المسلحة وترفيعَ الضباطِ الأردنيين إلى المناصبِ العُليا في الجيشِ استوجبَ أن يمارس الحسين صلاحياتَه ومسؤولياته في تعزيز ثقة الضباطِ الأردنيين بأنفسهم وترسيخ روحِ الكرامة والقومية وضمان مستقبل الأردن وتعميق دوره إزاءَ الوطن العربي الكبير و لمّا كان الجنرال كلوب يقف عائقا أمام تحقيق ذلك، جاءت رباعية قرارات العز المتمثلة بإعفاءِ كلوب من منصبهِ وترفيع الزّعيم راضي عنّاب لرتبة أمير لواء وتعيي?ه في منصب رئاسة أركان الجيش و إنهاء خدمة القائم مقام (باترك كوجهل) مدير الاستخبارات والزعيم هاتون مدير العمليات.
هو الأردن ما لان سيفه ولا انبرى هو الأردن الراسخ كالزيتون والجميل كالدحنونِ حماه بنو هاشم بالعيون من عبد الله الأول إلى عبدالله الثاني الذي حمل راية المجد والصدقِ فأتعبَ الخيل في ميادين العز والأنفة فوسم الفخر بوسمه ونهض بالأردن بعزمه.
(الرأي)