اضاءة على قوة القرارات القضائية
أ. د. كامل السعيد
02-03-2021 06:13 PM
تتولى المحاكم تطبيق القوانين الواجبة التطبيق على موضوعات الدعاوى المطروحة عليها، وليس لهذا التطبيق قوة قانونية ملزمة، بمعنى ان تطبيق المحكمة للنص لا يمكن ان يكون ملزما لغيرها من المحاكم، كما لا يمكن ان يكون ملزما لها ايضا عندما تنظر في قضية اخرى حتى وان كانت مماثلة للقضية الاولى، ولا تلتزم المحاكم بالتطبيق القضائي حتى وان استقر التطبيق على نحو معين، بل واكثر من ذلك حتى ولو تبنته محكمة التمييز نفسها وان كان الذي يجري عملا هو ان المحاكم تستأنس غالبا بآراء محكمة التمييز في فهمها لمحتوى النص القانوني وحكمه، ويخرج عن هذا المفهوم عندما يكون القرار صادرا عن الهيئة العامة في محكمة التمييز، اذ يكون هذا القرار ملزما للمحاكم الاخرى ولكن هذا الالزام مقصور على القضية ذاتها التي صدر فيها قرار الهيئة العامة. ولا ينسحب هذا الالزام على القضايا الاخرى، وهناك سببان لقصر هذا الالزام على القضية ذاتها، يتمثل اولهما في الحفاظ على مبدأ القناعة الوجدانية للقضاة المنصوص عليه في المادة (147/2) من قانون اصول المحاكمات الجزائية في قولها "تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الاثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية".
في حين يتمثل ثانيهما في نسبية حجية الاحكام من حيث ان قرارات محكمة التمييز بما فيها قرارات الهيئة العامة تكون مقصورة على القضية ذاتها من حيث اسبابها واطرافها وموضوعها.
والجدير بالذكر ان الهيئة العامة في محكمة التمييز تنعقد بموجب المادة 9/أ/1 من قانون تشكيل المحاكم النظامية وتعديلاته في قولها " تشكل محكمة التمييز في عمان وتؤلف من رئيس المجلس القضائي رئيسا لها وعدد من القضاة بقدر الحاجة وتنعقد من خمسة قضاة على الاقل في هيئتها العادية يرأسها القاضي الاقدم وفي حالة اصرار محكمة الاستئناف على قرارها المنقوض او كانت القضية المعروضة عليها تدور حول نقطة قانونية مستحدثة او على جانب من التعقيد او تنطوي على اهمية عامة او رأت احدى هيئاتها الرجوع عن مبدأ مقرر في حكم سابق فتنعقد هيئة عامة من رئيس وثمانية قضاة."
كما ينبغي الانتباه الى الفقرة (ب)من المادة ذاتها بقولها " (تنشئ في محكمة التمييز غرفة قضائية للنظر في الدعاوى الحقوقية وغرفة قضائية ثانية للنظر في الدعاوى الجزائية ، وتضم كل غرفة هيئة واحدة او أكثر وفقا لما يحدده رئيس هذه المحكمة حسب الحاجة.)
وقد اوجدت هذه الفقرة مبدأ الاختصاص وذلك بالنص على احداث غرفة قضائية للنظر في الدعاوى الحقوقية واخرى للنظر في القضايا الجزائية , تضم كل غرفة هيئة واحدة او اكثر وفقا لما يحدده رئيس المحكمة , وهذا لا يعني ولا يجب ان يعني ان هذا النص القانوني يقر مبدأ التخصص الجزائي , فهذا المبدأ يتطلب فوق شرط الاختصاص شرطا آخر وهو ان يكون القضاة الجزائيون متخصصين في الدراسات الجزائية وذلك بحصولهم على مؤهل علمي عال في هذا المضمار , وما نقول به من حيث التخصص في القضاء الجزائي ينطبق ايضا على التخصص في القضاء المدني .
واخيرا لا اخرا نقول بان الاختصاص والتخصص تعبيران متعددان لمعنيين مختلفين .
ملفتا النظر الى ان ما قلته بخصوص ما تتمتع به قرارات المحاكم واحكامها من قوة محدودة سببه انها ليست قوانين , فالقوانين من صناعة السلطة التشريعية كما انه ليس لها قوة القوانين كالقوانين المؤقته المنصوص عليها في المادة 94 من الدستور , كما انه ليس لها مفعول القوانين كالقرارات الصادرة عن ديوان تفسير القوانين المنصوص عليها في المادة 123 من الدستور.
واخيرا ليست لها قوة الدستور كالقرارات والاحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية تطبيقا لنص المادة 59 من الدستور
والله ولي التوفيق