عن قانون التنفيذ وجدلية حبس المدين
المحامي عمر العطعوط
02-03-2021 05:44 PM
لطالما أثارت قضية حبس المدين بدين مدني الرأي العام ما بين مؤيد ومعارض، واليوم يأتي تشكيل الحكومة لجنة لدراسة التعديلات على قانون التنفيذ ليعيد تسليط الضوء على هذه القضية الجدلية والمهمّة. لكن ما يغيب عن النقاش هو أن التشريع الأردني ما قبل عام 2002 كان أكثر إنصافًا للمدين غير المقتدر على سداد دينه، بمنع حبسه في حال عدم إقتداره وعرضه تسوية تتناسب ووضعه المالي، وكان ذلك قبل أن يصادق الأردن على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بعقود، لكنّ قانون التنفيذ الذي أقر لأول مرّة كقانون مؤقت عام 2002، في ظل النفوذ المتزايد للبنوك والشركات المالية الكبرى، سمح بحبس المدين بدين مدني، بغض النظر عن كونه قادرًا على سداد الدين أم لا.
من هنا، أجد من المهم الإشارة إلى نقاط أساسية ضرورية في نقاش هذه القضية.
أولاً: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
يتمسك أصحاب الرأي المطالب بضرورة إلغاء حبس المدين لدين مدني إلى أن الأردن قد صادق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ونصوصها كمعاهدة دولية تسمو على نصوص القانون العادي مما يجعل ما ورد في العهد من نص على عدم جواز حبس المدين لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي واجب التطبيق عندنا ولا بد من تعديل القانون على ضوء ذلك.
هنا لا بد من الانتباه إلى أمرين؛ الأول أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قد تمت المصادقة عليه من قبل حكومة المملكة الاردنية الهاشمية واقترنت هذه الموافقة بالإرادة الملكية وأن المحكمة الدستورية وفي قرارها رقم ( 1 ) لسنة 2020 الخاص بتفسير الفقرة 2 من المادة 33 من الدستور قد اعتبرت أن المعاهدات الدولية التي تسمو على القانون العادي هي المعاهدات الدولية التي يتم المصادقة عليها بقانون خاص بمعنى أن يكون قد تم عرضها على مجلس الأمة وصدرت بموجب قانون وهذا ما لم يحصل في مصادقة الدولة على العهد الدولي على الحقوق المدنية والسياسية.
أما الأمر الآخر فهو أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قد نص في المادة (11) منه على ما يلي:
"لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"
مما يعني أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لم يمنع سجن المدين بشكل مطلق وإنما اشترط توافر حالتين؛
الأولى أن يكون الدين ناجم عن التزام تعاقدي وبالتالي لا يوجد ما يمنع الحبس عن التعويض عن الفعل الضار، والثانية أن يكون المدين عاجزاً عن الوفاء بالدين، وليس أن يكون ممتنعاً عن التسديد رغم وجود قدرة لديه على التسديد سواء التسديد الجزئي أو الكلي أو الحالي أو المستقبلي.
ثانياً: قانون التنفيذ الأردني.
كان قانون التنفيذ في الأردن يتوافق تماماً مع ما ورد في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بخصوص عدم جواز حبس المدين بدين تعاقدي وهو غير مقتدرٍ على السداد واستمر هذا التشريع نافذًا لغاية صدور قانون تنفيذ مؤقت في العام 2002 وفقاً لما يلي:
1.قانون الإجراء لسنة 1952:
هذا القانون والذي بقي سارياً حتى إلغائه بموجب قانون التنفيذ المؤقت رقم 36 لسنة 2002 كان ينص على ما يلي:
-حصر حبس المدين بدين مدني في حالة واحدة فقط وهي إذا لم يعرض تسوية لوفاء دينه وفقاً لقدراته الفعلية أو ظهر من خلال تحقيقات رئيس الاجراء (رئيس التنفيذ) بناءً على البيّنات بأنه لديه، أو وصل لديه بعد صدور الحكم، ما يمكنه من دفع المبلغ المستحق عليه أو قسم منه ورفض ذلك أو قام بنقل أمواله وإخفائها لغايات عدم الدفع ولم يقم بالإفصاح عن أموال له وهو ينوي الفرار خارج البلاد.
- بخلاف ما تقدم فإن المدين غير المُقتدر فعلياً على الدفع لا يتم حبسه وهو ما يتوافق والمادة 11 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
- والأصل هنا أنه يحق للقاضي وللخصم التحري عن تلك القدرات بكافة الطرق حتى ولو لم يكن لديه ما هو مسجل باسمه فعلاً وفي هذا السياق أذكر حكمًا قضائيًا أثبت فيه أحد الخصوم أمام دائرة التنفيذ أن المدين قد أقام احتفالًا من أجل زفاف ابنه في أحد الفنادق كلفه مبالغ باهظة وكان من الواضح أن الابن متخرج حديثاً وعندها تم رفض التسوية المقدمة من المدين على الرغم من أن ظاهر البينة أنه لا يملك أموالًا أو عقارات.
2.قانون التنفيذ المؤقت رقم 36 لسنة 2002:
قامت الحكومة في العام 2002 وفي ظل غياب مجلس الأمة بإصدار قانون مؤقت للتنفيذ وتم تعديل النص الخاص بحبس المدين فيه بما يتلاءم والأوضاع التي كانت سائدة آنذاك -ولا تزال- من زيادة نفوذ الشركات المالية الكبرى وتأثيرها على البنية التنفيذية والتشريعية فقد تم تعديل المادة الخاصة بحبس المدين بدين مدني كما يلي:
-أصبح على المدين ولو كان غير مقتدر ولا يملك شيئاً ولغايات عدم حبسه ابتداءً عند تنفيذ الحكم القطعي أن يدفع 15% من المبلغ المحكوم به ومعها يعرض تسوية لسداد باقي المبالغ.
-بمعنى أن المبدأ العام لجواز حبس المدين غير المقتدر بالسداد أصبح من ضمن التشريع الاردني علماً بأنه وحتى ذلك الوقت لم يكن الأردن قد صادق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تم المصادقة عليها من قبل مجلس الوزراء ونشرت في الجريدة الرسمية في العام 2006.
3.قانون التنفيذ رقم 25 لسنة 2007:
بعد حوالي السنة من مصادقة الأردن على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وبدلًا من أن يتم الانسجام مع ما صادقت عليه الحكومة والتزمت به دولياً ودون تحفظ بعدم جواز حبس المدين غير المقتدر بدين مدني وبالتالي العودة لتشريعها السابق وهو قانون الإجراء لعام 1952، قامت وكما يبدو تحت تأثير ذات الجهات المتنفذة بزيادة النسبة الواجب على المدين غير المقتدر على سدادها لكي يتجنب الحبس بالمطلق بحيث اصبحت 25%من المبلغ المحكوم به.
على ضوء جميع ما تقدم، وعلى الرغم من أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لم يتم المصادقة عليه بقانون من قبل مجلس الأمة وبالتالي لا يمكن اعتباره مُلزمًا للمحاكم الوطنية طالما لم يصبح جزءاً من منظومة التشريع الأردني، وفي نفس الوقت وحتى لا يتم الادعاء بأن كل من يطالب بإنصاف غير المقتدرين بأنهم يلهثون وراء المعاهدات الدولية وهذه التهمة الجاهزة دائماً على الرغم من أن القانون الأردني قد أنصف المدين غير المقتدر منذ عام 1952 قبل الردة عليه، وللوصول إلى حلول متوازنة ما بين الدائن والمدين فإني أقترح ما يلي:
1-ضرورة إجراء تعديل على قانون التنفيذ بحيث نعود إلى النص الأصلي في قانون الإجراء لسنة 1952 والذي يسمح بحبس المدين المُقتدر والمُمتنع عن التسديد فقط شريطة عرض تسوية تُناسب قدراته الفعلية وهو النص الذي بقي معمولاً به حتى العام 2002 ولم يكن له آثار سلبية على الاقتصاد.
2-أن لا يسري التعديل على الديون الناجمة عن التعاقدات السابقة حماية للمراكز القانونية المستقرة.
3-ضرورة عرض المعاهدات الدولية التي وقعت عليها حكومة المملكة الاردنية الهاشمية على مجلس الامة ليبدي رأياً بشأنها إما باقرارها وبالتالي اعتبارها جزءاً من المنظومة التشريعية وتسمو على القوانين العادية وإما بردها وعدم اقرارها.