يقتحم أكثر من 230 إسرائيليا، المسجد الأقصى، مجددا، ويحملون زجاجات المشروبات الكحولية، ويرقصون، ويغنون، وسط حماية كبيرة من الشرطة الإسرائيلية.
هذا المشهد، الذي أثار رد فعل واسعا داخل القدس، قبل أيام، ليس الأول، ولا الأخير، لكنه كان مختلفا، من حيث توفير إسرائيل الحماية العسكرية الكبيرة لهؤلاء، حتى تحول الحرم القدسي، إلى ثكنة عسكرية، حيث قام المئات بممارسة الطقوس الدينية أيضا، داخل الحرم القدسي، وداخل المسجد الأقصى، في سلسلة من الاقتحامات الإسرائيلية المتواصلة منذ عقود، وكان آخرها اقتحاما آخر قبل أسبوع، تم حتى بدون حماية الشرطة الإسرائيلية، خصوصا، أن مناخات كورونا، تجعل عدد المقيمين والمصلين في المسجد الأقصى أقل، بسبب الوباء، وهذا يعني ثغرة كبرى على صعيد سوار الحماية الشعبية للمسجد الأقصى.
إسرائيل لم تتعلم من تجارب ماضية، إذ إن دخول شارون ذات يوم إلى المسجد الأقصى، أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية، وإغلاق مصلى باب الرحمة، قبل سنين أدى إلى موجة غضب عامة، مثلما أن وضع بوابات التفتيش الإلكترونية أدى أيضا إلى حشد عشرات الآلاف من أبناء القدس، في وجه هكذا إجراءات، وتعرف إسرائيل ذاتها، أنها تلعب بالنار في ملف المسجد الأقصى، وهي تحاول تجريع السم بالتدريج، بشأن المسجد، لكن هذه استحالة كبرى، خصوصا، أن هناك أهل القدس، والشعب الفلسطيني من فلسطين المحتلة العام 1948، وهؤلاء وحدهم لديهم القدرة على الوقوف في وجه إسرائيل، دون أن ننسى أن الضفة الغربية وغزة، ليستا خارج رد الفعل برغم كل الظروف التي تعيشها على مستويات مختلفة.
تجريع السم، يجري على مراحل، والهدف تعويد العرب والفلسطينيين، على وجود إسرائيلي دائم، للصلاة أو العبادة، وصولا إلى التقاسم الجغرافي، أو الزمني، وهذا مخطط قديم جديد، لم يتوقف، ولن يتوقف، مهما كانت التعهدات الإسرائيلية، بأنها لن تمس مقدسات المسلمين.
لولا محاذير كثيرة، لشطبت إسرائيل المسجد الأقصى، وكل الحرم القدسي، عن الخريطة، لكن قوة الاحتلال ليست مطلقة، وكل متأثر بالدعاية الإسرائيلية، يعتقد أن إسرائيل تفعل ما تريد، ولا يمنعها أحد، لكن الواقع على الأرض، يثبت العكس، وإلا لكانت إسرائيل منذ زمن بعيد قد تركت للجماعات المتطرفة الحرية المطلقة في أن تفعل ما تريد، في مساحة المسجد الأقصى، أو الحرم القدسي، البالغة كما هو معروف 144 دونما، وهي كلها أقصى، من المسجد القبلي إلى مسجد قبة الصخرة، مرورا بكل الأروقة والمصليات، والطوابق العلوية، وغرف الدراسة، وغير ذلك من آثار تاريخية مرتبطة بفترات معينة في التاريخ العربي والإسلامي.
المسجد الأقصى في عين العاصفة، منذ أكثر من سبعين سنة، وهو مسجد لأكثر من مليار ونصف مليار مسلم، وليس موقعا فلسطينيا، وإن كان الشعب الفلسطيني، قد حاز شرف حمايته والحفاظ عليه، لكن المسجد ذاته، مطلوب من كل هؤلاء، وليس ممن حوله فقط، وهو في عنق كل عربي ومسلم، لكن المؤسف أن قضيته تغيب، برغم خطورتها، وهي ليست تركيزا على القدس وحدها، من دون بقية المدن الفلسطينية المحتلة، بل لكون شطب المسجد، أو هدمه، أو إقامة مشاريع إسرائيلية في الموقع، يرتبط بيهودية الدولة، وهوية العاصمة، وفقا للمشروع الإسرائيلي، وهكذا فإن إلغاء الدلالة الدينية والتاريخية، يرتبط بمشروع سياسي.
هذا يعني أن ملف المسجد الأقصى، يجب ألا يغيب، فهو جزء من كل، جزء من معاناة كبيرة، تسبب بها الاحتلال، وأمانة المسجد والدفاع عنه، ليست سهلة، وسط هذه العوامل الخطيرة التي تزداد حدتها، ويتوجب التنبه بشكل كبير إلى سياسة تجريع السم، في ملف المسجد الأقصى، وهي سياسة تقوم على التدرج، وانهاك الطرف الآخر، وإتعابه، للوصول إلى الغاية النهائية، التي ستكون في حدها الأدنى نسخ سيناريو الحرم الإبراهيمي في الخليل، من حيث التقاسم الزمني، وفي حدها الأعلى إقامة هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى، بما يعنيه ذلك سياسيا، ودينيا، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، ووضع المنطقة العربية، أيضا.
(الغد)