لم تكن مسألة تعريب الجيش مسألة عادية او حتى تقنية تندرج فى اطار التوجيه والتدريب والاعداد، كما لم تكن مسألة ذاتية تحسب من باب التقديرات المحلية او لحسابات ادارية فحسب لكنها حملت انتفاضة امة من اجل مكانتها ودورها وسيادتها مثلها قرار الحسين في بناء ذاتية الدولة من اجل الدفاع عن امة وحمل لواءها، وهو ما جعل من قرار تعريب الجيش يحظى بزخم سياسي وشعبي عارم.
ولما حمله هذا القرار عميق الابعاد، من رواس استراتيجية وتضمنه من تبعات سياسية على الصعيد العربي والواقع الاقليمي جعلته يشكل قرار المرحلة ونواة تكوين جديدة، وقد غدا الاردن بفضل هذا القرار يمتلك زمام قراره العسكري والامني ولقد بات بفضل ذلك المسؤول المباشر عن سيادة الوطن وسلامة اراضيه دون الاعتماد على الغير الامر الذي جعله واحدا من اكثر الدول الاقليمية تأثيرا على صعيد حفظ امن ومستقرار المنطقة، لما يمتلكه الجيش العربي من مكانة باتت تأهله ليكون الضابط الامني الذي يعتمد عليه في حفظ السلم الاقليمي ويعتد به لما يمتلكه من جهوزية عالية وتقنية رادعة واستراتيجية عمل ضابطة شكلت حماية لسيادة القرار الوطني المؤيد دوليا والمناصر اقليميا.
قرار الحسين التاريخي لم يأتي بطريقة طيباوية بل جاء بعد قراءة موضوعية حصيفة للمتغيرات الدولية عندما استفاد من متغيرات المشهد السياسي في حينها مع تبدل مراكز بيت القرار الدولي ايذنا بولادة حقبة ما عرف لاحقا بالحرب البادرة، حيث جاء هذا القرار للملك الباني بعد فترة وجيزة من حصول الاردن على كامل عضويته في الامم المتحدة، وقد تزامن هذا القرار مع انحسار المد البريطاني والفرنسي عن المنطقة بانتهاء العدوان الثلاثي، ودخول العالم في حقبة جديدة بقيادة الاتحاد السوفتيتي والولايات المتحدة.
وهذا يدل دلالة واضحة على مدى القراءة العميقة التي كان يقف عليها بيت القرار عندما استشرف واقع الاحداث بطريقة تقديرية واستثمر خلالها متغيرات الظرف الموضوعي لاتخاذ قراره السيادي الذي حقق للاردن انجازه التاريخي في بناء الذات السيادية كما استطاع الاردن بفضل ذلك انهاء مرحلة المخاض التى رافق فترة الاستقلال بصبر واناة مقرونة بتضحيات ومن واقع متم شكله بناء المؤسسات استمر عشر سنوات كانت تؤيده عبر إرادة واثقة من حتمية الإنجاز، ميزت نهج الدولة وامتاز الاردن بها في معالجة قضاياه.
ان العقيدة الفكرية التي يحملها الجيش العربي هي العقيدة النابعة من قيمنا التليدة وحضارتنا الاصلية وديننا الحنيف، لذا حملت رسالته على الدوام عنوانا للفكر الانساني وصوتا للنهج الوسطي ونهاجا لنهج الاعتدال الذي يرفض العنف ويحارب التطرف ويعمل من اجل الحفاظ على السلم الاقليمي والسلام العالمي ضمن الاطر الدولية والقوانين الاممية، حتى غدا الاردن يعرف بأمنه ويعرف بامانه، وباتت مؤسساتنا العسكرية والامنية واحدة من افضل المؤسسات احترافية ومهنية على الصعيد الاقليمي وعلى المستوى الدولي محققة بذلك علامة فارقة في ميادين الانجازات.
وهذا ما بينته التجارب ومن واقع عملي وبشهادة دولية في حرب الانسانية ضد الارهاب والذي سطر فيها الجيش العربي نموذجا في العمل حتى الاعتماد عليه دوليا فى مواجهة الارهاب واصبح جلالة الملك عبدالله الثاني يشكل رمزية المحارب ضد الارهاب بعد النجاحات التى حققها الاردن في الاتجاه الامني عندما حافظ على امن المنطقة كما وقف ضد استشراء الفوضى وغلواء التطرف كما قدم الجيش العربي نموذجا رياديا في كيفية استقباله وعزيم تأمينه لحركة اللجوء السوري وفي المحافظة على اجواء المنطقة دون تنامي مناخات الحروب فكان ان حقق الاردن بذلك علامة فارقة ميزته عن سواه من مجتمعات المنطقة وجعلته واحة للامن والامان.
ان الشعب الاردني واذ يحتفل بيوم تعريب الجيش ويستذكر هذه اللحظة التاريخية وما رافقها من تحديات وعظيم انجازات، فانه يعظم دور الحسين الباني في حمل راية الامة ويؤكد وقوفه الاكيد مع جلالة الملك عبدالله الثاني حامل لواء النهضة والانجاز كما يحيي الجيش العربي والمؤسسات الامنية في الدفاع عن الامة وقضيتها المركزية والتي لم تغب اضواء شمس قدسها عن انظار حملت راية النهضة وعنوان عزها منذ أن أرساها الغر الميامين من بني هاشم الاطهار في حمل لواء الامة وفي الدفاع عن رسالتها التي انطلقت من اجل العرب ومن اجل دورهم ورسالتهم وهويتهم.