شَمْسُكَ لن تغيب .. في وداع عَقِلْ
احمد مساعده
01-03-2021 11:23 AM
ما هكذا يكون الوداع يا ابا الليث. لا نعترضُ على حكم الله، ولكن لنا حق السؤال: أهكذا يغادرُ امثالُك؟ انت الذي طالما استقبل الناس بالحُسْن واستودعهم بالجمال. تخونني كلمات نعيك ومشاعر رثائك، ليس لشأنك عندي الاصعب وصفاً ولكن لحجم مساحتك الهائلة التي تَمَدَدَّتَ فوقها شرقا وغربا، هنا على هذه الارض وهناك دون الشمس.
أَأُذَكِرُكَ بالحكاية بيننا؟ او بجزء يسير منها؟ او بما بينك وبين غيري من الناس؟! أَأُذَكِرُكَ بالهاتف الاول؟ تفاتحني قبل التحية ب: عَقِلْ (بلفظ القاف باللهجة الاردنية). أَأُذَكِرُكَ باللقاء الاول وأنت تروم العلا لسياحة الاردن؟ أَأُذَكِرُكَ لما اصطحبتني رفقة عشرات القساوسة من كنيسة إنجلترا (الانجيليكانية) وانت تقرأ عليهم من العهد القديم والعهد الجديد وكتاب محمد وكل عهد مقدس ومناظرتك الشروق ومناجاتك الغروب لتقول: هنا على هذه الارض الطهور كان مغطس الطفل المقدس؟ أَأُذَكِرُكَ بتلك الامسية على شرفتك على البحر وانت تعرضُ لي بشغف هياكل وآمال وآفاق العقبة الاقتصادية ؟ أَأُذَكِرُكَ بمسك يد النادل برفق ومحبة تعلمه اصول الضيافة؟ أَأُذَكِرُكَ بتقدميتك وانسانيتك في تَلْييني لأجل زواج اختي من زوجها الحالي اجنبي الاصل؟ أَأُذَكِرُكَ بيديك اللتان لم تدخلا مكانا الا وحملتا معهما الجودَ والكرم؟ أَأُذَكِرُكَ بالليمون الاخضر؟! أَأُذَكِرُكَ كيف كنت ترفض ان يختار سواك الطعام ... هنا وهناك؟ أَأُذَكِرُكَ بعشائنا الدافيء في تلك الليلة البلجيكية الشتوية وانت تَخُطُ لي مع عمرو موسى بواكير الاتحاد من اجل المتوسط؟ أَأُذَكِرُكَ بذلك الصباح عندما دَنْدَنْتَ لهيلاري كلينتون على متن المروحية فوق جبال رم (يا له من صباح جميل، يا له من يوم جميل ...) خدمةً لوطنك ومحبةً بمليكك؟ أَأُذَكِرُكَ بدَمْعِك المسكوب وانت تؤبن خَلَفْ؟ أَأُذَكِرُكَ بعمان، وعشقكما المتبادل، وتراثها الذي لبست، وقانونها الذي ما لويت؟ أَأُذَكِرُكَ بالمكالمة الاخيرة، تطمئن فيها من على سرير مرضك على علم الشباب أمل البلاد؟ كيف واين اتوقف بالذكريات؟!
عَقِلْ كان وطناً بكل الوانه وتقاسيمه واطيافه. عَقِلْ، الانسان، جمعَ الكُلَّ بالمحبة ومَيَّزَ كلٌ بالمحبة، فلمست روحه ارواح الجميع. عَقِلْ، رجل الدولة، عمل بِعَقل وأدى بشرف وخدم بِوَرَعْ وتجاوز عن الصغائر وتمسك بعفة اليد فانتج الابهى. عَقِلْ احدى الحكايا والروايات الاردنية الجميلة ... قصة عشق لقضية وهوية وتراب. عَقِلْ ... يا لكَ من صباحٍ اردنيٍ جميل.
يا أم ليث وليث وقيس، ويا كُلنا من اقربائك وانسبائك ومحبيك واصدقائك، العزاء لكم والرحمة والمغفرة له. أما انت ايها الحبيب، فامضي في رحلتك الواسعة هناك، في رحاب النعيم، تلمع كنجمة في السماء، واما هنا فأعلم بأن شَمْسَكَ يا عَقِلْ بلتاجي لن تغيب.