في الوقت الذي تبذل فيه الدولة بكافة مؤسساتها الرسمية والاهلية جهودا جبارة في ظروف بالغة الاستثنائية لمواجهة وباء فيروسي لم تشهد البشرية مثيلا له منذ ما يزيد عن القرن ..لا يزال هناك تيار مؤثر في بلادنا يعمل بنشاط من اجل حرف بوصلة المجتمع وتغيير مزاجه ووعيه باتجاهات معاكسة تماما للخطط والاستراتيجيات التي تعمل على تنفيذها الجهات الرسمية المعنية بادارة الازمة التي فرضها هذا الوباء، الذي اثبتت التجربة صعوبة الرهان على المعارف التي يملكها الخبراء حوله ، وبالتالي عدم القدرة على التكهن بمساراته وسرعة التحور في سلالاته وطفراته المتوالية.
فبعد عام فقط من اكتشاف الحالات الاولى للمرض في "ووهان" استطاعت المراكز العلمية والبحثية المتخصصة من تصنيع اللقاحات المضادة لفيروس الكورونا المستجد، مما شكل انجازا حيويا انتظرته البشرية بفارغ الصبر كوسيلة فعالة لتشكيل قدر كبير من "المناعة المجتمعية" ، التي تضمن السيطرة على انتشار الوباء وفتح القطاعات الاقتصادية والحيوية ، تمهيدا لعودة الحياة الطبيعية لدول وشعوب العالم التي عانت الامرين، ولا تزال، نتيجة التداعيات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها والتي ستستمر بالاستفحال مستقبلا الى حين السيطرة التامة على الجائحة.
الا ان المؤلم حقا ان يستمر تيار التشكيك وبث الاخبار المغلوطة والمضللة التي لا تستند الى الادلة، ومن خلال استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار والتأثير في إثارة البلبلة وعدم اليقين لدى شرائح وفئات واسعة من مجتمعنا، مما كان سببا في ترددهم وضعف استجابتهم لبرنامج التطعيم الوطني ضد الفيروس والذي بدأ تنفيذه منذ حوالي الشهرين، في الوقت الذي نجحت العديد من الدول في شمول الملايين من مواطنيها بالمطاعيم.
ومن الصعب الاقتناع بان مثل هذه النشاطات المضادة والمعيقة لتنفيذ إجراءات ومشاريع الدولة والجهات الرسمية المعنية بإدارة الأزمة يمكن تصنيفها ضمن مفهوم الحريات والحقوق المصانة. فالحرية المسؤولة ينبغي ان لا تتعارض مع المصالح الحيوية للمجتمع ، وإلا فقد تصبح اقرب الى التضليل وإحداث الفوضى وتعريض حياة الناس والصحة العمومية لاشد الاخطار.
إن كاتبة هذه السطور لا تستهدف البتة حرية الإنسان وحقه المقدس في اختيار ما يراه مناسبا لنفسه، لكن شريطة عدم الإضرار بمصالح المجتمع وامنه وسلامته ، مع التأكيد أيضأ على ضرورة التقيد بالإجراءات الرسمية الموجهة للسيطرة على الوباء، والحق في المشاركة النشطة، بما في ذلك النقد البناء وتقديم الأفكار والرؤى الخلاقة في معركة المواجهة مع الوباء.
ان العالم، وبلادنا جزء منه، لا يزال في عين عاصفة الخطر، ومواجهة التحديات الآنية والمستقبلية مسؤولية جماعية تتقاسمها كافة الجهات الرسمية والشعبية، واي عبث في سفينتنا المشتركة لن يوصلنا الى بر الأمان!
فهل من وقفة صادقة مع الذات الوطنية لحشد كافة الجهود والطاقات ووقف التجديف عكس التيار؟!