عمان مدينة الحجر والسلام .. والثقافة!
باتر محمد وردم
01-05-2010 04:03 AM
منذ فترة طويلة لم يأسرني كتاب ، ويجبرني على قراءته من الغلاف إلى الغلاف في جلسة واحدة مثل كتاب "عمان مدينة الحجر والسلام" للباحثة منال عبابسة والصادر عن القسم الثقافي في السفارة الفرنسية والدائرة الثقافية في أمانة عمان ، وتمت ترجمته من الفرنسية إلى العربية من قبل شركة إحياء عمان ممثلة بالسيد حازم ملحس وزير البيئة الحالي ، والأهم من ذلك أن الكتاب مخصص للتوزيع المجاني وليس للبيع.
النص البديع في الكتاب يحاول إعطاء مدينة عمان حقها الطبيعي في التقدير خاصة في مجال النشاط الثقافي من خلال شهادات من 27 شخصية ناشطة سياسيا واجتماعيا وثقافيا تمكنت من إضفاء لمسات بارزة على المدينة.
ومع أنني تشرفت بمعرفة عشرين من هذه الشخصيات فإن ما هو موجود في شهاداتهم يمثل إضاءة جديدة ونقية وواضحة المعالم لنشاطهم العام ورؤيتهم لمدينة عمان والتي يصفها المعماري الأشهر جعفر طوقان بقسوة مبررة بأنها مدينة لا يحبها لا الفقراء ولا الأغنياء من سكانها.
بالفعل لم تحظ عمان لما تستحقه من الترويج الثقافي والاجتماعي بالرغم من الديناميكية والتنوع الثقافي الهائل في المدينة والذي يمتد على مئات السنين وعشرات الأجيال ومئات التوجهات السياسية والثقافية التي تركت بصماتها على تاريخ المدينة ، وهذا الكتاب يشكل حصيلة لتجارب 27 شخصا يمكن أن يكونوا 270 بسهولة تمكنوا جميعا من مقاربة الحياة العامة في عمان بمنهج ونشاط عام ترك أثرا لدى آلاف الناس.
قيمة الكتاب الأساسية هي في مقدار الروح الإيجابية التي يحملها من خلال توثيق تجارب وخبرات هؤلاء السكان المتميزين الذين قرروا تجاوز ما هو مألوف وعدم الركون للسلبية وتقديم نماذج في العمل المنتج إما من خلال تبني قضايا سياسية وثقافية أو إنشاء مؤسسات ريادية أو الوصول إلى حالة الإبداع الذي يؤسس لمعايير جديدة ترتقي بالعمل العام إلى مراحل متطورة وجريئة. أن هذه التجارب هي حكايات من الإلهام يحتاج إليها كافة الناس وفي كافة الأوقات.
تستضيف عمان مئات الفعاليات الثقافية الحديثة وهناك "كتلة حرجة" من المثقفين الشباب الذين يقدمون أنماطا ومنتجات ثقافية جديدة ربما لا تحظى بالقدر الكافي من التغطية الإعلامية ولكنها تؤسس لتيار ثقافي يمكن أن ينتشر عربيا وربما دوليا حسب جودة هذه المنتجات وتضمينها لأهم المعالم المدنية في عمان الحديثة والتاريخية.
وفي واقع الأمر فإن مشكلة عمان ليست ضعفا ولا قلة النشاط الثقافي بقدر ما هي قلة الترويج لهذه الفعاليات على الصعيدين المحلي والخارجي سواء في وسائل الإعلام المحلية أو من قبل المؤسسات المنظمة نفسها.
تستحق عمان كل الجهد الممكن من أجل إبراز طاقتها الإبداعية المستندة اساسا إلى التنوع الثقافي لسكانها وإلى وجود مؤسسات متعددة قادرة على تنظيم واستضافة هذه الفعاليات وكذلك الاقتناع بأن ثقافة عمان في القرن الحادي والعشرين تختلف عن ثقافتها في القرن التاسع عشر وأن هذه المدينة الحيوية القادرة دائما على التكيف الإيجابي مع عوامل التغيير تستطيع ايضا أن تبرز هوية ثقافية متعددة الأشكال والتعبيرات جوهرها الاساسي هو احترام التنوع والتوازن ما بين الحداثة والأصالة فكما أن عمان يمكن أن تكون منبرا للدبكة الشعبية والتراث فإنها يمكن أن تحتضن الرقص التعبيري المعاصر والكوميديا المباشرة والمسرح الحديث وكافة أنماط الثقافة الحديثة.
batirw@yahoo.com
عن الدستور.