لم تتمكن الحرب العالمية الثانية التي انتصر فيها السوفييت والحلفاء على النازية الهتلرية عام 1945، بعد دفع فاتورة من الشهداء تجاوزت الـ 27 مليون شهيد، من توحيد العالم. رغم تأسيس الأمم المتحدة وقتها, وتجاوز العالم قبل ذلك دور عصبة الأمم المتحدة المؤسسة بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919، وأهم دول الحلفاء مثل الولايات المتحدة الأمريكية، رغم دورها التمويني المتأخر في الحرب ( الثانية ) الى جانب السوفييت، وتزويد العسكرية الهتلرية بالسلاح ذات الوقت، وفي المقابل, انشطرت عن خندق الحرب المنتصر, وذهبت لتصعيد الحرب الباردة و الإصطفاف في خندق الجانب الخاسر في الحرب الثانية , ورغم قصفها لليابان بالقنبلة النووية في هيروشيما وناكازاكي بهدف إيقاف الحرب آنذاك, إلا أنها أي أمريكا عادت تساند الإبقاء على جزر الكوريل تحت السيادة اليابانية , وكأنها لا تعترف بالنصر السوفييتي الذي تحقق. والسوفييت وإن سبقهم الأميركان في صناعة القنبلة النووية عام 1945, وفي الصعود إلى الفضاء والقمرعام 1969, إلا أن السوفييت لحقوا بهم وصنعوا القنبلة النووية عام 1949, وصعدو إلى الفضاء عام 1961 قبلهم ومبكرا. ولازالت معلومة احتمال أن يكون الأميركان قد صوروا رحلتهم الأولى إلى الفضاء على الأرض في Hollywood بالقرب من مدينة لوس انجلوس في ولاية كاليفورنيا كما يقول السوفييت ومنهم الروس في بيوتهم واردة, و تقترب من إشاعات الحرب الباردة التي لازالت تتحرك وسط الجانبين السوفييتي السابق وفي الغرب الأمريكي أيضا.
ويسجل لرائد الفضاء الأمريكي ( نيل آرمسترونغ ) واثنين من رفاقه (الدرن وكولينز) صعودهم للفضاء , وهبوطه والدرن على سطح القمر بتاريخ 21 يوليو 1969 في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون , وهو الذي منح وسام الكونغرس للفضاء والميدالية الرئاسية للحرية, فيما ترك كولينز يدور في الفضاء الرحب, ويسجل في المقابل ليوري غاغارين الروسي السوفييتي صعوده الى الفضاء ودوارنه حول الأرض في عهد الرئيس نيكيتا خوتشوف بتاريخ 12 نيسان 1961, وهو الذي منحه لقب البطل القومي, وتم تثبيت اسمه فوق سطح القمر بعد تحطم طائرته ووفاته عام 1968. فعن ماذا بحثت أمريكا على ظهر القمر وإلى أين وصلت؟ وعن ماذا بحث السوفييت في الفضاء حول الأرض ؟ و ماهي نتيجة وصولهما إلى القمر, ووصول دول العالم معهم ؟ وهل للعرب نصيب من الاستكشاف الدولي للفضاء ؟ وهل باستطاعة العرب أن يغزو الفضاء والقمر والأجرام الأخرى القريبة بمفردهم ؟ وهل لغزو الفضاء وعسكرته علاقة مباشرة بالحرب الباردة التي يراد لها من قبل الغرب الأمريكي (الناتو) أن تبقى لعدة أسباب منها أضعاف روسيا من الداخل حتى تنقض على نفسها؟ أم أن الموضوع برمته علم وتجارب تكنولوجية بعيدة المدى تهدف لاكتشاف مزيد من أسرار الكون وبلا نهاية ؟ ماهو سر اختراق الفضاء بعد انهيار الأتحاد السوفييتي , وحل حلف (وارسو) العسكري الشرقي ؟ وهل لحسابات الحرب العالمية الثالثة الاقتصادية , أو العسكرية , أو اللوجستية علاقة بغزو الفضاء ؟
وبكل تأكيد، أستطيع القول هنا بأن الدافع الكبير الذي وقف خلف غزو الفضاء من قبل الجانبين السوفييتي السابق, والروسي المعاصر, والأمريكي والغرب في المقابل هي الحرب الباردة المستمرة حتى الساعة , وبهدف إستكشاف ما وراء الميتافيزيقا ووسط علم الغيب , وسبر أغوار العلوم والمعارف, ولتحقيق عدة أهداف بعيدة المدى علمية, واقتصادية, وعسكرية , ولوجستية عميقة. ويحاول العرب إثبات ذاتهم عبر المشاركة في الرحلات الفضائية التي لازالت تقتصر على الأثرياء منهم لتحقيق الفائدة الممكنة وعلى أكثر من مستوى, بينما يحرم منها فقرائهم الأذكياء والأكفاء أيضا بسبب غياب الوحدة العربية الحقيقية التي دعاهم إليها ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه عام 1916 , ومن عمق جزيرة العرب, ولغياب القرار العلمي العربي المدروس والموحد عبر معهد عربي عالي الشأن للدراسات والأبحاث النووية العلمية الدقيقة السلمية. ويصعب على العرب حتى الساعة الإنفراد في التحليق في الفضاء أو الهبوط على سطح القمر لأسباب تقنية, بينما تمكنت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) من الوصول مبدئيا إلى المريخ أيضا عبر (الروبوت) الجوال (بريسفيرنس) , وتخطيط لإيصال رواد فضاء إلى هناك منتصف العقد الثالث الحالي.
وثمة فرق بين توجه الغرب الأمريكي, والشرق الروسي والسوفييتي السابق, والصيني في مجال استغلال الفضاء لغايات عسكرية ولوجستية تحديدا, فالغرب صانع الحرب الباردة وسباق التسلح, والمتمسك بحلف ( الناتو ) في زمن إبتعاد روسيا عن الأحلاف العسكرية وفي مقدمتها حلف ( وارسو ) منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991, والهدف إضعاف الجانب المقابل, فالشرق مواجه لها حتى يومنا هذا، بينما يؤمن الغرب بتصيد الفرص النوعية للإنقضاض وسط الأزمات الدولية, ولا يرى مشكلة في خلق حرب دولية جديدة إن اقتضت المصلحة العليا ذلك. والشرق يرفض الحرب الباردة وسباق التسلح , ويتوجه للتطوير الإستراتيجي الدائم , ويشكل بما ملك من قوة نووية خارقة سدا مانعا لعدم إندلاع حرب دولية ماحقة تعيد البشرية إلى ما قبل الحضارات. والإختراعت العلمية الدقيقة المتواصلة التي تحققها العسكرية الروسية مثلا على مستوى الصواريخ البالستية النووية فوق سرعة الصوت (أفانغارد) , والعمل على إدخال صواريخ (C500 ) إلى خدمة الجيش الأحمر والبحرية الروسية تهدف لمنع وقوع حرب دولية كبيرة, ولم يسجل على السوفييت ولا على روسيا في التاريخ المعاصر استخدام السلاح النووي ضد الغير على طريقة أمريكا في اليابان مثلا عام 1945 , أو عبر الشروع بعد ذلك للتطاول على الاتحاد السوفييتي عام 1949 .
كما أن اختراع المختبرات الروسية المتقدمة للقاح المواجه لجائحة كورونا ( كوفيد v) ومنه رقم (3) الأخير الخالي من الآثار السلبية على البشرية, والتفوق به عالميا, وتقديمه لخدمة البشرية رغم اصطدامه بالفوبيا المضادة, والإشاعات السوداء والرمادية، شاهد آخر لمصلحة سمعتهم دوليا. ومجرد مبادرة روسيا بمساعدة أمريكا في مجال مكافحة كورونا مؤشر على تفريقها بين هيجان الحرب الباردة وضرورة توحد البشرية لمطاردة كورونا، خدمة للإنسانية جمعاء. ولقد أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين بتاريخ 20 نيسان 2020 وتناقلها الإعلام بعد هبوط طائرة المساعدة الطبية الروسية في مطار )نيويورك( لمواجهة كورونا في عمق أمريكا وبعدها في إيطاليا بتاريخ 23 آذار 2020, وعبر استيراد بلاده روسيا من أمريكا لأجهزة استشعار تدفق الهواء الضرورية لصنع أجهزة التنفس الاصطناعي في روسيا وسط ظرف جائحة كورونا الحالي )المصدر: عربي – Sputnik). وفي الختام هنا، أدعو للعلاقات الروسية الأمريكية تحديداً، وللدولية كذلك أن تتعافى وتنهض وتزدهر خدمة للإنسان في كل العالم.