لا أحد ينكر صعوبة العمل البرلماني الجاد فهو يحتاج الى معرفة واسعة ومتابعة حثيثة وادراك واع للمصالح الوطنية وقدرة على الدفاع عنها وحمايتها.
بالرغم من امتلاك الكثير من النواب لصفة او اكثر من الصفات التي يحتاج لها الدور إلا ان البعض لا ينجح في استخدام المواهب والقدرات في المواقف والمناسبات التي ينبغي ان تستخدم فيها وقد يوظفها لتعظيم العوائد عليه اكثر من وضعها في خدمة الشأن العام ومصالح الاغلبية.
لأسباب تتعلق بضعف اهتمام الجماهير بما يجري في مجالس النواب ولغموض السياسات وتعلق البعض منها برغبات ومصالح الجهات الأكثر نفوذا وتأثيرا ظهرت حالة من التناقض وانعدام الصلة بين ما يرد في السياسات العامة وما يتم تنفيذه على ارض الواقع.
الحالة الغريبة هذه تظهر جليا في سلوك العشرات من النواب القدامى فقد اصبح العديد منهم لا يخشى من ان يقول شيئا للاعلام وفي العلن ويتخلى عما قاله في الخفاء وعند التصويت.
غالبية النواب تصالحوا مع هذه الممارسات واعتبروها فنا لا يحتاج احدهم لإتقانه لأكثر من ارضاء مجموعة من المفاتيح الانتخابية في الدائرة ومجموعة من المواقع الالكترونية لانتقاء مواقف وشعارات ومقتطفات من خطابات النائب على وسائل التواصل والاسراع لدفن اي نقد او تلميح لسلوك ومواقف النائب.
على صعيد المؤسسات المعنية بمتابعة عمل المجلس يحظى هذا الصنف من النواب برعاية وتوجيه وتلميع وتيسير للمصالح لا يحصل عليه رفاقه من غير المضمونين ” المستقلين”.
ولكي لا يجري إحراج النواب امام ناخبيهم، حرص مجلس النواب ورئاساته المتلاحقة على تأخير تفعيل النظام الالكتروني المجهز للتصويت واستعاضوا عنه برفع الايدي وتكتيكات التحكم في خفض النصاب او توفيره تبعا للضرورة وكخطوة وقائية تحول دون التيقن من التناقض بين القول والفعل.
لتجسير الفجوة بين القول والفعل، حرص البعض من النواب القدماء والجدد على تصوير كلماتهم وانتقاداتهم للحكومة خلال المناقشات الاولية للبيان الحكومي والموازنة او حتى ما يدور من نقاش داخل اللجان وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال وكلاء يدورون في فلكهم ويسعون لتجميل صورهم في اذهان الناخبين، عوضا عن تدوين المواقف الفعلية عند التصويت يعرض النواب ما قالوا على انه ما فعلوا ويخلطون بين القول والفعل في مسعى لتضليل الشارع والجمهور وانفسهم معا.
بمنطق قانون السير يرتكب غالبية النواب مخالفة الاستخدام الخاطئ للغماز حيث تؤشر خطاباتهم الى انهم سيتجهون يسارا في حين انهم متجهون يمينا… المؤسف ان من الصعب استخدام قاعدة “افترض جهل الآخرين” التي يذكر مدربو قيادة المركبات تلاميذهم بها وهم يسيرون على الطرقات… فالنواب لا يجهلون قواعد اللعبة بل يمعنون في تكرار هذه المخالفات وهم يعلمون ان الناس لم يعودوا بعيدين عما يجري.
في الايام القليلة الماضية وافق مجلس النواب على مشروع قانون الموازنة العامة كما جاء من الحكومة بعدما اشبع 90 ٪ من المتحدثين المشروع نقدا وتشريحا.
النواب الذين استعرضوا في كلماتهم مهارات التهكم والسخرية وكل ما علق في اذهانهم من قصص واقوال مأثورة وعبارات قالها نواب سابقون في مثل هذه المناسبة هم الذين صوتوا لتمرير الموازنة.
لتضليل القواعد الانتخابية أعد البعض من هؤلاء فيديوهات عما قالوا في خطبهم من نقد واستعانوا بكل وسائل الترويج لضمان وصولها الى اعداد اكبر وشرائح اوسع من المتابعين، المحزن ان بعض المهتمين بحثوا عن حقيقة مواقف هؤلاء النجوم الجدد ليصدموا بأنهم قد صوتوا لتمرير الموازنة التي انتقدوها.
التوصيف الأجمل لحالة نوابنا تختزله المقولة المصرية “اسمع كلامك أصدأك… أشوف فعايلك أتعجب”.
(الغد)