إذا اريد شتيمة شخص، في ثقافتنا العامة، يقال عنه مصلحجي. أي انه لا يسعى في حركته ونشاطه إلا وراء مصلحة ما، وغالباً ما تكون مصلحته الشخصية. وحرف الجيم الثقيل، المرافق للمصطلح، هو لازمة عثمانية. وهي لازمة في تلك الثقافة عادة ما ترافق المهن اليدوية والحرفية:خضرجي، كندرجي، جوهرجي،....الخ. فهل تحول البحث عن المصلحة الشخصية في الزمن العثماني إلى مهنة؟! أم أن تلازمها في سلوك الشخص، اليوم، حولها إلى صفة شخصية له؟!.اليوم، وعلى نحو كهذا، يوصف الشخص الميّال إلى العنف في حل المشكلات بأنه حربجي. باستعارة من الحرب على أنها مهنة، أو تخصص. وفي نفس السياق أيضاً، يجري اليوم الاستهتار بأفكار وتيارات سياسية عربية كانت سائدة، بنسبتها إلى مهن الزمن العثماني. فيقال عن صاحبها مثلاً بأنه قومجي.. أو وطنجي... والمقصود طبعاً هو نسبة الفكرة وصاحبها إلى زمن متخلف مضى. فيعفي المتهكم نفسه من عناء التفكير والجدل والحوار.
في ثقافة تحتل العتمة ضحاها وظهيرتها، يصح الشيء ونقيضه في آن معاً(!). فما من محاور أو كاتب أو مسؤول، إلا ويحتل مفهوم البحث عن المصلحة فضاء خطابه. وأحياناً، يكون هذا الحديث عن مصلحة جماعة، وأحياناً أخرى عن المصلحة العامة. وفي تبرير الأشياء، يقول واحدهم:ليس لي في ذلك مصلحة. ففي ثقافتنا اليوم، لم يعد نقيصه أن تتماها المصلحة الشخصية مع المصلحة العامة. فيصير البحث عن الأخيرة هو ذاته البحث عن الأولى.
ولأن الثقافة هي في جوهرها نمط عيش، فانها تطبع كل جديد ومستجد، بطابعها. فمن المعروف مثلاً، ان البنوك والمصارف لا تبحث إلا عن مصالحها. ومن المعروف أيضاً، ان جذور ثقافتنا العامة تمقت الشخص الباحث في علاقاته العامة عن مصلحته الشخصية. ورغم هذا، فإن العاملين في البنوك يخفون مصالحها بمفاهيم: الخدمة، والمساعدة، والتنمية، والترفيه.. بل ويبالغون في التخفي، حين يقولون تكرم.
ثقافة العالم الغربي تقوم في جوهرها وبُناها على فكرة المصلحة. ومن دون أن يكون هذا المفهوم شتيمة للسلوك أو لصاحبه. والثقافة العربية، أقنعونا انها تقوم في أساسها على فكرة الكرم. وأي سلوك يبحث عن المصلحة ولا يستند إلى العطاء المجرد، بما هو الكرم ذاته، هو سلوك مشبوه او مذموم. وربما لهذا تتخفى السياسة الأميركية في غزوها للمنطقة بثقافة سكانها الحاليين. فتستبدل مفردات المصلحة كدوافع للغزو، بمفاهيم التحرير والديمقراطية وحقوق الإنسان.
اليوم، تطغى المفاهيم الغربية، في السياسة والاقتصاد والثقافة، على مفاهيم العيش الشرقي والعربي. وفي مناخ كهذا، تتشظى القيم والثقافة العامة المحلية بين جديد محمول على الاستهلاك، وبين قديم محمول على الشعر والشتيمة. وان حاولت التوقف على مسافة ما، بين الاستهلاك والشتيمة، فان الشاعر العربي يصفعك بالتذكير والتذكار: بيني وبينك للهوى سببُ.. باعتبار ان السبب هو هو مصلحة..!!.
FAFIEH@YAHOO.COM