الأردن .. غادرنا ولم نصل!
شحاده أبو بقر
23-02-2021 08:05 PM
كثير هو الكلام الذي يمكن أن يقال على سيرة الإصلاح الذي سيكون طابع المئوية الجديدة، لكنني سأختصر.
ثلاثون عاما حتى الآن وجميعنا نتحدث عن الإصلاح، وبالذات السياسي منه، والسبب، هو أن الإصلاح السياسي الشامل، هو "البوابة" الرئيسة نحو كل إصلاح آخر إقتصاديا إجتماعيا وعلى كل صعيد مهما كان مجاله.
ما الذي جرى في المجمل خلال تلك العقود الثلاثة؟
(1) : عقب نيسان عام 1989 أفرجنا عن الحياة الحزبية وشرعنا قانونا للأحزاب وأجرينا إنتخابات نيابية يرى كثيرون أنها كانت الأكثر نزاهة بين قريناتها.
(2) : كانت الرؤية السياسية الشاملة للدولة التي أنتجت ذلك، تقوم على فلسفة الإنتقال بالدولة من حالة الريعية إلى دولة الإنتاج التي لا مجال لبلوغها إلا بتوظيف النهج الديمقراطي وسيلة لتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والإحتكام إلى قرار الأغلبية.
(3) : وفقا لذلك، تشكلت لدينا أحزاب سياسية مستجدة كثيرة وأخرى هي أحزاب كانت محظورة أصلا إلى جانب حزب جبهة العمل الإسلامي، الواجهة السياسية لـ "الإخوان المسلمون". وتكاثرت وتناثرت تلك الأحزاب حتى أن الراحل الكبير الملك الحسين رحمه الله قال عنها أن الإزدحام يعيق الحركة، وذلك في رأي ملكي صائب كان يفضل أن تتمثل الحركة الحزبية الأردنية في 3 إلى 4 تيارات كبيرة تضم سائر ألوان الطيف السياسي الأردني.
(4) : لم يحدث هذا لا بل تشتت الإحزاب وتناثرت وإنشق بعضها وبالذات على الصعيدين الوسطي أو ما يطلق عليه وصف الوطني، وكذلك الإسلامي، حتى وصلنا اليوم إلى عدد غير معروف من عشرات الإحزاب ومعظمها غير ذات أثر أو حضور على الساحة الشعبية.
(5) : هذا يعني ببساطة، أننا كمن غادر بلده برا نحو بلد آخر وختم جواز سفره كمغادر، لكنه تسمر واقفا في "المنطقة الحرام" الفاصلة بين حدود البلدين ولم يتقدم نحو نقطة الجوازات في البلد الآخر كي يختم جوازه بختم الدخول، أي كمن (غادر بلده ولم يصل البلد الآخر)!.
(6) : هذا هو حالنا بالضبط. قلنا نريد ديمقراطية تقوم على تعددية سياسية حزبية وشرعنا قانون أحزاب، لكننا لا نحن بقينا كما كنا، ولا نحن وصلنا إلى ما قلنا وأردنا.
(7) : لهذا فقد بتنا كفاقد للهوية السياسية، فلا نحن ديمقراطيون بالمفهوم الحقيقي للديمقراطية، ولا نحن شورويون بالمفهوم الحقيقي للشورى. وها نحن نستعيد في أدبياتنا النقاشية كلما دق الكوز بالجرة حديث الريعية والإنتاجية ونتراشق بعبارات التلاوم والإتهام ويلقي كل منا بكرة المسؤولية في حضن الآخر، ويشبعنا المنظرون كل يوم تنظيرا وتحليلا كما لو كانوا هم المنقذون.
وعليه، فلم نعد نملك في عالم اليوم المليء بالمفاجآت والمشاحنات والتطلعات والمطامع وحتى المؤامرات، ترف الإنتظار أكثر مما جرى، فإما ديمقراطية كاملة الأركان عبر ثلاثة تشريعات جديدة أشار إليها جلالة الملك مؤخرا "إنتخابات، أحزاب، إدارة محلية" لتفرز خيارا شعبيا راشدا يتحمل الشعب قبل السلطة الرسمية مسؤولية مخرجاته، وإما عودة سالمة آمنة إلى حيث كنا الدولة الأسرية العائلية التي تتحمل السلطة الرسمية فيها مسؤولية كل شيء، نعم كل شيء، بلا إستثناء لشيء، ما دام القرار قرارها وحكرا عليها وحدها في كل شيء.
قبل أن أغادر , المسيرة الحزبية الوطنية غير المرتبطة بشيء خلف الحدود، لا ضرر فيها ومنها ولا ضرار، وهي قادرة وطبيعيا على فرز الغث من السمين والتعبير عن إرادة الشعب مصدر السلطات،, وهو يتحمل مسؤولية ما يريد.
وأولا وقبل كل شيء الأردن مملكة تحكمها أسرة ملكية هاشمية كريمة، والشعب الأردني وبكل فئاته حتى وإن عتب أو غضب جراء فقر وبطالة وفساد وسوى ذلك من مساويء، جبل على محبة الهاشميين والوفاء لهم والتشبث بحضورهم مهما كانت الظروف، وبالتالي فلا منفذ ولا ممر بين أوساط هذا الشعب الوفي الشهم الكريم لأي طامع أو طامح أو متآمر يمكن أن يبحث عن زعامة ليست من شأنه, ولا هو من أهلها.
الله من وراء قصدي.