"بِما إِنه يستحيل على المَرْء أَنْ يكون مِنْ غير أعداء، يجب عليه أَنْ يتعلّم كيف يستفيد منهم"
إِنَّ تصرفات الإنسان وسلوكيّاته ( السويّة كانت أم الشاذة)، نتيجة عمليّات عقليّة لاشعوريّة، تؤثِّر بشكلٍ كبيرٍ في هيئةِ الشخصيّةِ البشريّةِ والوظائف التي تؤدِّيها تلك الهيئة، فتظهر ندباتها الضَحِلَة على الشكل الخارجيّ الذي تفتَرّ فيهِ سلوكيّاتِهِ ومشاعرِهِ، مُنصرخةً بقوةٍ تشبهُ قوةَ الشعبِ الثائرِ عن حركةِ عشوائيةِ ليس لها اتجاه مُحدّد يحميها مِنْ طيشِها في المنطق الاعتياديّ الوراثيّ عند الإنسان، مُعلنةً عن ثغراتٍ وفجواتٍ ضاربةٍ في مركزِ سلسلةِ العمليات الشعوريّةِ الإنسانيّةِ الآنيّةِ المحتويةِ على العديد مِنْ الأفكارِ التي تختفي وتظهر فجأة دون مبررٍ منطقيٍّ، مُخلِّصَةً بدورها هذا الذي يبدو لنا دورًا عديمَ النفعِ العقل الباطنيّ مِنْ العمليات المزاجيّة المختزلة داخله، لكنها قد تظهر في جزء آخر مِنْ العقل الباطنيّ بمكانٍ خُصِّصَ لسيادةِ ما قبلَ الشعورِ، ولو أردنا أَنْ نُحَكِّمَ ترتيب ما قبل الشعور في عائلة فيسيولوجيّة التنبؤ بإنتاجِ الفكرة الداخليّة بمجسات الإِحساس, لوجدنا أنَّهُ في الدرجة الثانية بعد اللاشعور وقبل الشعور متوسطًا بينهما, وفي حركةٍ دورانيٍّةٍ خاطفةٍ أشبه ما تكون بخطةٍ حربيّةٍ، تنصرخُ فيها الدوافعُ والرغباتُ مِنْ خِضَم المعركة، تتحرّر ماهيَّة ما قبل الشعور المختبئة لتظهر لنا في سبيلها الوحيد مستقرةً في الشكل الخارجيّ لها, والذي يمكنُ لنا أَنْ نراهُ في إيماءات الآخرين, محرِّرَةً مِنْ ذلك الشعور مُكَبَّلِ اليدينِ استقلاليةّ ذاتيةّ بمحاولةٍ لا بأسَ بكفاءتها مهما بَدَت مُضَعْضَعةً بالسيطرةِ التي تكاد تكون مطلقةً على كاملِ الجسد؛ لكنها إِنْ سيطرَ عليها وَهْنُها الشديد ستبدأ هنا في هذا الوقت بالتحديد وساوسُ الشك اللانهائيّة مِنْ المقارنات السخيفة التي يتم المحاولة مِنْ خلالها بإشباعِ رغبةِ سيطرةِ القوةِ على الوَهْن, وهنا ستتفجَّر أعاصيرالصراعات النفسيّة التي يكون فيها الفرد جنديّ بائس يتعرّض للرشوةِ مِنْ قِبَلِ نفسهُ الشيطانيّة الأمّارة بسوءِ المقارنات, وفي نفس الوقت يحاولُ حماية مكنوناتهِ في عصرِ ولادتها وما بعد ولادتها، وتلك المكنونات هي المنطقة الفاصلة ما بين اللاشعور وما قبل الشعور مِنْ جهة، وبين قبل الشعورِ والشعورِ مِنْ جهةٍ أخرى، فيقدِّمُ هذا الجنديّ حياته في الدفاع الُمستميت عن منطقته بالدوافع الغريزيّة الموجودة في اللاشعور ضد الهجمة الشرسة المُنظمة والشاملة للمنطقة.
عيون العدوّ سهَّارة خافتة في عتمة سلوكاتك, إنها لا تعطيكَ مِنْ ضوءها المنعكس على حياضها مِنْ خيرِ الشمس لأجلكَ؛ بل إنَّها تحرقُ نفسها لتشعل عينيها في سبيلِ مراقبةِ جميع أفعالك، تترَبَّصُ بأدنى ثغرةٍ، تترَصَّد لكل حَدَث في حياتك، تتلصَّصُ على كل ما تفعله، ويأكلها بطء الانتظار؛ لكنها تقتلهُ باستخدام الفرصة المناسبة للإنقضاض على حياتك, تمزقها تمزيقًا بأنيابها المسمومة، تتحوّل إلى حيوان مفترس؛ لأنّها الآن مفصولةٌ عن شرفِ الوسيلة التي لا تبرِّرُ رداءة الفعلِ والهدف, حاملةً في قلبها كل أنواع الأسلحة السيئة، وإذا استمرَّتْ وساوسُ النفس في سبيلِ إثبات سيادة الأنا, ستَتَخَلَّقُ مِنْ عيونِ العدوِّ الجثث, لا وبل جُثَثًا مُشنَّعَةً, فالحكمة والثقافة والفضل والنزاهة والاستقامة تثير الرذائل المختزلة في العقل الباطنيّ عند المترَبِّصين، فاجعل قلبكَ أخدودًا عظيمًا، واحفرْ سُرادقَهُ الخنادق المُجَنزرَة؛ لأنَّكَ ستحمي بها قلبكَ مِنْ شوائب الرذائلِ التي تُعَكِّرُ صفوَ فضائلك, واخلق في مساحاتهِ حقلًا؛ ليكون في ما بعد مكانًا صالحًا لتكاثرِ بذورِ الغايات النبيلة، واسبر أعماقَ روحِك، وتمَحّص صدوعها، وامحو مِنها كل البراكين الخامدة؛ لأنَّهُ مع أَيْ محفز خارجيّ قد يتحول فتور براكينها لنشاط خارق قد يحرقكَ قبلَ افتعالهِ لأَيْ حريق في البيئة المجاورة لروحِك، حَلِّق في الحياة عاليًا، كّنسرٍ طليقٍ، مترفعًا عن شرذمةِ الناس، جاعلًا حياتك مقرًا لرياح الشمال؛ حتى يتساقط في بيَّاراتِكَ غيث بريء, فالحياة متوحشة، فقيرة، بربريّة، قاسية، كريهة، عدائيّة. فنتيجة تأثر اللاشعور الإنسانيّ بالعوامل المحيطة؛ يتطور( الهو) في ظروف استثنائيّة، مكتسبًا العديد مِنْ الخصائص المسؤولة عن تحوّل العقليّة إلى ( الأنا)، فتصبح مشرفًا وقائدًا للحركةِ الإراديّةِ المسؤولةِ عن حفظ الذات، مسيطرًا على زمام الرغباتِ الغريزيّةِ المنبعثةِ مِنْ ( الهو)، متصرفًا فيها تصرف المحتل الخاشم، مسيطرًا على منابع الخير، معطيًا أهلها ما يسدّ رمقهم، كابتًا مشاعرهم في التحرر، مراعيًا مبدأ الواقع، مُدَّعيًا تطبيق الحكمة والسلامة، عاكسًا صورة سلبيّة لأصحاب الحق بأنهم غوغائيون, ففجأةً تتحول مهمّةُ الأنا إلى مهمّةٍ شاقةٍ، فيتوجبُ عليهِ التوفيق بين سلطات ثلاث (العالم الخارجيّ، و الهو، والأنا), فإذا ما فشل في مهمّته عوقب بنشأةِ الأمراضِ و الاضطراباتِ النفسيّةِ.
"لا يراقبون أنفسهم وهم يثرثرون دون جدوى، فيسمعون مَنْ يعيّرهم بالكلام نفسه الذي تلذّذوا بتوجيهه إلى الاخرين". عندما تُرمى بالرذيلة؛ عليك الاهتمام بتقويمها أكثر مِنْ اهتمامكَ بإزالةِ ما لَطَّخَ صفوَ ثيابك مِنْ صاحبها، ابحث عن علّةِ ذلك الإفتراء، واجتهد بكل الاحتراس والتوجُّسِ مِنْ عدمِ الوقوع في خطأ مشابه ومماثل لتلك النقيصة التى يُفتَرَى بها عليك، فرذائلُ الأعداء هي مَنْ تجعلُ فضائلكُ أعزّ.