قطر .. وشاحنة العرب المعطلة
سمير حجاوي
29-04-2010 04:01 PM
نشاط الدبلوماسية القطرية من أجل تحريك المياه الراكدة في العالم العربي، نشاط ملحوظ وملموس ولا تخطئه العين، وهو نشاط يهدف إلى دفع العربة إلى الأمام وهي دبلوماسية تتحرك في أربع دوائر متداخلة وهي الخليجية والعربية والإقليمية والدولية
وكما سبق وكتبت فهي دبلوماسية حيوية ونشطة ورشيقة وفاعلة، ولكن هل هذه الحيوية تكفي لتحقيق نتائج مرضية؟
هذا السؤال يدفعنا إلى تحليل الأمور من زاوية أخرى، بعيدا عن الحديث العاطفي المفعم بالرغبة والمسكون بالآمال والأحلام، على الرغم من إيماني القاطع أن كل الإنجازات العظيمة تبدأ من أحلام صغيرة.
الناظر إلى حال الأمة العربية الآن يصاب بحالة من الكآبة والحزن على الحال الذي وصلت إليه، فالعالم العربي يعاني من التمزق والتشرذم والأمية والفقر والبطالة والتسلط والدكتاتورية والاحتلال العسكري والحروب الداخلية والانشقاقات الاجتماعية وانهيار البنى الاقتصادية وتخلف المنظومة التعليمية، وعدم وجود مركز يستطيع أن يلم الشتات، فجميع الدول العربية الكبيرة تعاني من أزمات كبيرة ووجودية، فالعراق تحت الاحتلال، ومصر متورطة في مستنقع الأزمات الداخلية المستعصية، والسعودية مشغولة بما يسمى "الحرب على الإرهاب"، والمغرب مشغول بدوره في الأزمات الداخلية والصحراء الغربية، والجزائر تعاني من حرب أهلية، والسودان يكاد يتمزق إلى مجموعة من الدول، وسوريا تحت الحصار والضغط الأمريكي.. أما الدول العربية الأخرى فهي تعاني بدورها من سلسلة من الأزمات والمشاكل الداخلية والخارجية .. باختصار إنها أمة مثخنة بالجراح.
هذا هو مشهد الأمة العربية حاليا، على الرغم من أهازيج وسائل الإعلام العربية التي "تتسلى" بالأمة، وكان شعوبها تعيش "سمن على عسل". وبالتالي فان أي تدخل لتفكيك عناصر هذا الواقع لن يكون أمرا سهلا على الإطلاق.
هذا الواقع يلعب دورا محوريا في الحد من النتائج المرضية التي يمكن أن تحصل عليها الدبلوماسية القطرية النشطة والحيوية. وهنا لا بد من الاحتكام إلى شروط "الجغرافيا السياسية" القاسية التي لا يمكن التخلص منها بسهولة.. وهذا لا يعني أن هذه الشروط قدر لا يمكن الفكاك منه، بل هي خاضعة بدورها لخصائص الحركة والسرعة والحيوية.
وإذا ما شبهنا الدبلوماسية القطرية على أنها سيارة حديثة ورائعة، فهل بإمكان هي السيارة أن تجر شاحنة العرب المعطلة؟ بكل صراحة: لا.. رغم ، فالأمة العربية المثخنة بالجراح تحاول أن تميل على قطر لحل مشاكلها، وهو مالا تستطيع قطر أن تفعله رغم توفر النوايا الحسنة والمحاولات الجادة النشيطة .
وهذا يتطلب من الدبلوماسية القطرية ألا تتحرك بمعزل عن العرب الآخرين دون التخلي عن الدور القيادي الذي تقوم به حاليا، وأن تحاول وضع جدول الأعمال وتحديد "شروط اللعبة" كما يقال. وهذا ممكن من خلال وضع الأطراف العربية في فلك الدبلوماسية القطرية، فدول مثل الصومال والسودان وجيبوتي وموريتانيا وجزر القمر تحتاج إلى المساعدات القطرية، وهذه المساعدات وان كانت تقدم لأسباب قومية وإسلامية وإنسانية، إلا أن لها ثمنا أيضا ألا وهو توفير الدفع الخلفي لقاطرة الدبلوماسية القطرية، كما يمكن استمالة دول مثل لبنان والأردن والجزائر بإغراءات الحيوية السياسية والتحرك الفعال، ويمكن الحفاظ على مسافة معقولة من دول عربية أخرى تقع في دائرة تأثير هذه الدولة أو تلك، وتجربة قمة غزة في الدوحة كانت مثالا صارخا على أهمية إقناع الآخرين بفاعلية الدبلوماسية القطرية، والتي فقدت النصاب لعقد مؤتمر رسمي بسبب صوت واحد فقط. وكانت مثالا واضحا لتدخلات أطراف أخرى ترفع شعار :"يا خريب يا خريب".. وهذا المثل يستخدمه الأطفال في العالم العربي عندما يكون هناك لعبة كرة قدم ويتم استثناؤهم منها فيدخلون إلى الملعب ويهتفون "يا لعيب ياخريب" أي إما أن نلعب وإما أن نخرب اللعب، لكن المشكلة أن ما يجري في السياسة العربية هي وجود خيار واحد فقط التخريب وعدم الرغبة بلعب أي دور إيجابي.
الدبلوماسية القطرية تحولت في غضون عقد واحد فقط إلى نجم ساطع في سماء السياسة العربية والإقليمية على الرغم من محاولات أطراف عربية "كبيرة" للضغط على قطر من أجل "لملمة" دورها على الساحة والاكتفاء بشؤونها الداخلية. واستطاعت أن تثير موجة من النشاط الدبلوماسي من لبنان إلى فلسطين والسودان واليمن وجزر القمر، في حركة مستقلة جريئة استطاعت من خلالها التعامل مع عدد من الملفات الشائكة عربيا وإقليميا، مما حسن من صورتها على المستوى الدولي، دون اللجوء إلى صرف ملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة. وحققت تميزا لافتا إلى درجة أنها أصبحت وسيطا مقبولا ومطلوبا من كل الأطراف إلا من جماعة سياسة الأرض المحروقة وحزب "يا خريب يا خريب".
الدبلوماسية القطرية التي تعاظم دورها في السنوات الأخيرة، تحظى بشرعية القبول العربي والإقليمي والدولي بخطابها الهادئ المتزن، القادر على الجمع بين المتناقضات، وامتلاك ما يكفي من الخبرة بنزع فتيل الأزمات وإغلاق الشقوق الملتهبة التي يمكن أن تتحول إلى صدوع بركانية تفجر المزيد من الخلافات العربية الداخلية والخارجية. لكن "شرعية القبول" هذه تحتاج بدورها إلى ضم "الكبار" في العالم العربي إلى العربة، من خلال إطار يمكن التحرك من خلاله، من خلال الخروج من العلاقات التي تقوم على المجاملات "والخواطر" والخطاب الإنشائي الهلامي" إلى الأجندات المحددة بخطوات عملية مقيدة بمواقيت وتواريخ.. أي أن تسمى الأمور بمسمياتها.
الأمة العربية ليست في وضع يسمح لها بإضاعة المزيد من الوقت، فقد أضعنا قرنا بحاله، ومن هنا تأتي الحاجة للدبلوماسية القطرية الفاعلة التي أتمنى أن تحرض غيرها على الفعل على الرغم من جسامة المهمة وضخامة المسؤولية .. فالدبلوماسية القطرية يمكن أن تكون قاطرة فعلية لشاحنة الأمة المعطلة، إذا ساندها العرب الآخرون في الدفع من الخلف ومد يد العون.
قطر تصدت لمهمة إقالة الأمة العربية من عثرتها، وهي مهمة كبيرة تستطيع انجازها فقط بمشاركة الآخرين من "حلف الراغبين" من العرب.
hijjawis@yahoo.com