أقل من شهر تصدر المشهد رسالتان في غاية الأهمية صدرتا من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني، الأولى مرتبطة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والثانية مرتبطة بهيكلة دور دائرة المخابرات العامة، ومضمون هاتين الرسالتين يتجاوز حدود التوجيهات للحكومات الذي اعتدنا عليه، وقد يبنى عليهم تغييرات كثيرة وكبيرة في الأشهر القادمة منها ما هو مرتبط بآلية عمل الحكومة وتغيرات في منهج عمليات الإصلاحات السياسية يمكن لها أن تنتج برلمانا جديدا من حيث المضمون والأداء والقوة التمثيلية وعليه يتوجب على الوزراء أخذ أدوار تتجاوز فكرة كبير الموظفين أو مدراء برتبة وزير.
اعتدنا على أدوار ومهام كثير من الوزراء خلال حكومات متعاقبة ينغمسون في التفاصيل الإدارية والبيروقراطية التقليدية لا بل أن كثيرا منهم يطبق سياسة سكن تسلم وبالتالي يبتعد عن القرارات والأفعال الصعبة أو الجدلية ذات الأثر التغييري والملموس وذلك لضمان البقاء لفترة أطول.
اليوم وبعد هذه الرسائل الملكية ما عاد هناك مكان آمن للوزير المدير وإنما الاستدامة والمكان المحفوظ هي للوزير القائد الذي يقود السياسات العامة لوزارته ويقدم حلولاً جذرية ومعالجات صعبة لإصلاح الترهل والفساد اللذين أصبحا أمراً وللأسف مقبولاً وسائداً ضمن الكثير من مؤسسات الدولة، وهنا إذا ما اردنا إعادة هيكلة الكثير من الأدوار التي تقوم بها دائرة المخابرات يجب أن نملك سلطة تنفيذية يقودها طاقم حكومي يتمتع بقدرات قيادية وحكمة سياسية تتجاوز حدود وقدرات توقيع البريد اليومي والمناكفات والمحسوبيات والجهويات الضيقة.
الإصلاحات السياسية والاقتصادية لا يمكن أن تنجح مع أصحاب الأيادي المرتجفة وأصحاب القرارات المترددة والذين يسعون إلى الاختباء في عباءة الملك ويرددون في كل مقامٍ ومقال بأنها توجيهات الملك حتى يحتمون ويتجنبون المساءلة، كافة الأردنيين متفقون على الملك والعائلة الهاشمية، ونعي جيداً حجم الجهد الذي بذلوه ويبذلونه بشكل مستمر لتقديم الأفضل للأردن وللأردنيين وبالتالي لسنا بحاجة لتذكيرنا بأنها توجيهات الملك فمن أراد أن يلتزم بتوجيهات الملك عليه أن يقود وزارته بشجاعة وحكمة سياسية ومواقف يذكرها المواطنون وبالتالي يغذي فيهم قيم الولاء والانتماء للوطن والقيادة.
أخيراً؛ لنتذكر جميعاً بأن الرسائل الملكية لا تعني بأي حال من الأحوال الاستغناء والإقصاء لمؤسساتنا الوطنية وخصوصاً دائرة المخابرات العامة ولكنها وبلا أدنى شك رسائل في التوقيت المناسب لأننا لم نعد نملك رفاهية الوقت ولا رفاهية القيادة التقليدية، إنها رسائل تفرض على جميع المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية مراجعة جادة ترتقي إلى حجم التحديات التي تحيط بالوطن والمواطن.
(الدستور)