لقد تشرفت و6 اخرين من الشخصيات الوطنية من مختلف محافظات المملكة بلقاء مولاي صاحب الجلالة يوم الثلاثاء الموافق 16-2-
2021 في قصر الحسينية العامر بحضور دولة رئيس الوزراء و رئيس الديوان ورئيس هيئة الأركان المشتركة وعدد من مستشاري
جلالة الملك. الحقيقة لقد كان اللقاء متميزا للغاية و مثمرا و منتجا, استمعنا من خلاله الى رؤى جلالة الملك و تطلعاته من جهة و تشرفنا
بالمقابل في تقديم عدد من المداخلات حول مختلف القضايا الوطنية. و هنا أود ان اسجل بكل شرف بعض الملاحظات و الانطباعات حول
هذا اللقاء.
بداية لقد أبهرنا جلالة الملك بإطلاعه الكامل وإلمامه الشامل و معرفته المعمقة لمختلف القضايا و التحديات التي تواجه وطننا الحبيب. و
لقد لمسنا بالفعل من خلال حديث جلالته أنه يتابع كل كبيرة و صغيرة و يشعر بما يشعر به الأردنيون بصورة عامة و ما ينتابهم من ضيق
بسبب جائحة كورونا بصورة خاصة, و لكن جلالته يرى أنه لا بد من التحمل و الصبر للخروج من الأزمات التي تسببت بها هذه الجائحة
و نحن أقوى مما كنا عليه.
لقد كان واضحا جدا و جليا للغاية أن جلالته مصمم على أن تدخل الدولة الأردنية المئوية الثانية من عمرها المديد إن شاء الله بمناهج
عمل جديدة وبقوانين عصرية تنظم كافة المجالات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية للارتقاء في الأردن الى مصاف الدول المتقدمة و
خاصة في مجال الاصلاح السياسي للوصول في النهاية الى حكومات برلمانية تتحمل مسؤولياتها المباشرة أمام ناخبيها.
لقد إستوقفنا كثيرا الدرجة العالية لثقة جلالته بالأردنيين وتفاؤله الواضح بالمستقبل على الرغم من جسامة التحديات الوطنية والاقليمية التي يعيشها الأردن والمنطقة. ولقد أبدى جلالته بصورة خاصة الثقة بإمكانية حل الدولتين الذي في نظر جلالته لا مناص منه
إذا ما أريد الوصول إلى حل شامل و عادل و دائم للقضية الفلسطينية بحيث ترضى بهذا الحل الأجيال القادمة، و كان جليا أن جلالته يريد
منا جميعا أن نعمل بروح الفريق الواحد بحيث يتحمل كل منا مسؤولياته لتحويل التحديات و الأزمات الى فرص للانطلاق و التميز.
خلال اللقاء تشرف المدعوون بعرض آرائهم أمام جلالة الملك كل حسب إختصاصه و تجربته و كانت جميع هذه المداخلات معمقة و
صادقة و صريحة, أما بالنسبة لمداخلتي بصورة خاصة فقد ركزت فيها على 3 جوانب. أولها إنصب على تقديم الشكر والتقدير والعرفان بالجميل لجلالته على الجهود المتواصلة و غير المحدودة التي يبذلها لخدمة ابناء شعبه الوفي و أكدت لجلالته أن الغالبية الساحقة
من الأردنيين يقدرون عاليا و يثمنون بإكبار مواقف جلالة الملك المشرفة و خاصة موقفه الثابت و الواضح بخصوص ما سمي "صفقة
القرن", هذا الموقف الذي بلا شك سوف يسجله التاريخ بأحرف من ذهب و نور و لقد أكدت ايضا لجلالته أن الأردنيين سيبقون رافعي
الرأس بمثل هذه المواقف التي ترفض المساومة على حقوقنا في فلسطين عامة وفي القدس بصورة خاصة و هذه المواقف الملكية هي إنعكاس و تأكيد و إمتداد لمواقف الهاشميين الغر الميامين أصحاب الشرعية الدينية و القومية و التاريخية التي حملوها كابرا عن كابر على مدى التاريخ.
أما فيما يتعلق بالجانب السياسي لقد تمنيت على جلالته أن نشهد في بداية المئوية الثانية من عمر الدولة ولادة قانون إنتخاب إصلاحي
عصري لتوسيع مشاركة الأردنيين في صنع القرار وهنا كنت صريحا أمام جلالته حيث أكدت أنه من غير المناسب أن ندخل المئوية
الثانية من عمر دولتنا بقانون إنتخاب لا يشارك على أساسه سوى 30% فقط ممن يحق لهم المشاركة. و أكدت لجلالته أن المبادئ التي
يجب أن يرتكز عليها هذا القانون هي تلك الموجودة و المفصلة في الأوراق النقاشية الملكية و خاصة الورقة النقاشية الرابعة و التي
تناولت قضية التحول الديمقراطي و المواطنة الفاعلة و لقد شرحت أمام جلالته أن هذا القانون يمكن أن يكون الرافعة الأساسية للاصلاح
السياسي و الاداري و إحداث النقلة النوعية التي نطمح جميعنا إليها ليكون الأردن أنموذجا يحتذى في المنطقة والعالم. و لقد أثلج
صدورنا تعليق جلالته على هذا الأمر حيث كان واضحا أن جلالته مصمم على إخراج مثل هذا القانون الى حيز الوجود على الرغم من
أن بعض القوى تحاول وضع العوائق أمام ولادته.
القضية الأخيرة التي تناولتها في مداخلتي هي قضية البطالة وآثارها الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والنفسية حيث تشكل أخطر
التحديات التي تواجه وطننا و شبابه و لقد أوضحت أمام جلالته أن معدل البطالة تضاعف خلال أقل من عقد من الزمن و أنه مرشح
للزيادة إذا لم تتخذ التدابير والقرارات الصحيحة لمواجهة هذه المعضلة. و أوضحت لجلالته أن الحل العملي لتحدي البطالة في الأردن
يكمن في مدى قدرتنا على تنفيذ ما ورد في الاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي أطلقت برعاية ملكية سامية عام 2012 عندما كنت وزيرا
للعمل وفي ما تم متابعته و البناء عليه في الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي أطلقها جلالته بعد أربع سنوات في عام
2016 .و هذه الاستراتيجيات التي شارك في إعدادها و تطويرها نخبة من أبناء هذا الوطن و عكست بصورة علمية الحلول الممكنة و
العملية لمواجهة تحدي البطالة و إعادة توجية الموارد البشرية و لقد إتفقت هذه الاستراتيجيات على ضرورة التخفيض التدريجي في أعداد
التخصصات الاكاديمية و في الوقت ذاته زيادة أعداد الملتحقين بالبرامج المهنية و التي يحتاجها سوق العمل الأردني. و قد أوضحت أمام
جلالته أن هذه الاستراتيجيات إذا ما نفذت بالفعل فإنها سوف تفتح الباب أمام الشباب الاردني للإنتقال من ثقافة التوظيف إلى ثقافة
التشغيل. و هنا أكد جلالته ضرورة مواجهة تحدي البطالة و تضافر الجهود من خلال التركيز على المشاريع الصغيرة و المتوسطة
في مجالات الزراعة و الأمن الغذائي و الاستفادة من الرصيد الوطني الغني من الموارد البشرية.
قبل الختام أود أن أكرر الشكر و التقدير لجلالته على مبادراته المستمرة للتواصل مع أبناء شعبه و السماع لهم في جو من الشفافية و
الصراحة وبطريقة الحوار المعمق بعيدا عن الخطب و المجاملات وهنا لا بد من تسجيل الشكر أيضا لمستشارية شؤون العشائر
والديوان الملكي لاعدادها هذا اللقاء و أخرجته بصورة متميزة تشكل نقلة نوعية في تنظيم اللقاءات الملكية السامية مع أبناء شعبه. في
الختام أدعو الباري عز و جل أن يطيل في عمر جلالته و أن يمتعه بموفور الصحة و العافية و أن يحفظ اللهم ولي عهده المحبوب الأمير
الحسين بن عبدالله، ضارعا الى المولى عز وجل أن يديم علينا نعمة الأمن و السلام و أن يجنبنا كل سوء، إنه سميع مجيب الدعاء.