إن الموقع الجيوسياسي للمملكة الأردنية الهاشمية له مكانة هامّة لدول العالم.
وللأردن طريقاً محوريّاً على الطريق الذي يربط طريق الحرير بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، ناهيك عن قربه من ساحل البحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي الفلسطينية وسوريا القريبتين ، فضلاً عن روابطه بشبه الجزيرة العربية.
فمنذ العصور القديمة، تنقّل السكان وشقّوا طرق للمواصلات ودروب للتجارة عبر المنطقة الأوروبية الآسيوية لتشكل ما يُعرف اليوم بتسمية "طرق الحرير"؛ وهي طرق برية وبحرية تبادل عبرها الناس من كل أنحاء العالم الحرير وغيره الكثير من السلع. وتُعتبر الطرق البحرية جزءاً محوريّاً في هذه الشبكة فمثّلت حلقة وصل ربطت الشرق بالغرب عن طريق البحر واستُخدمت على الأخص لتجارة التوابل بحيث بات اسمها الشائع "طرق التوابل".
حملت هذه الشبكات الواسعة في طياتها السلع والبضائع الثمينة وأتاحت أيضاً تناقل المعارف والأفكار والثقافات والمعتقدات و شكّلت مركزا للتفاعل الديني و السياسي مما أثر تأثيراً عميقاً في تاريخ شعوب المنطقة الأوروبية الآسيوية وحضاراتهم.
وتعود شبكة طرق الحرير إلى القرن الثاني قبل الميلاد وترجع تسمية مصطلح "طريق الحرير" إلى أواسط القرن التاسع عشر، فقد أطلق العالم الجيولوجي الألماني، البارون فرديناند فون ريشتهوفن، اسم "دي سيدينستراس" (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات هذه ولا تزال هذه التسمية المستخدمة أيضاً بصيغة الجمع توقد الخيال بما يلفها من غموض مثير.
إنتاج وتجارة الحرير
الحرير عبارة عن نسيج جاء قديماً من الصين موطنه الأصلي، ويتكوّن من ألياف بروتينية تنتجها دودة القز عندما تقوم بغزل شرنقتها، وقد بدأت صناعة الحرير بحسب المعتقدات الصينية عام ٢٧٠٠ قبل الميلاد تقريبا. وكان الحرير يعدّ من المنتوجات النفيسة جدا فانفرد بلاط الإمبراطورية الصينية باستخدامه لصنع الأقمشة والستائر والرايات وغيرها من المنسوجات القيّمة. وبقيت تفاصيل إنتاجه سرا حفظته الصين بشدة طيلة ٣٠٠٠ سنة تقريبا وبمراسيم إمبريالية.
توسّع انتاج الحرير واستُخدم هديةً في العلاقات الدبلوماسية وبلغت تجارته شأناً كبيراً بدءاً بالمناطق المتاخمة للصين مباشرة ووصولاً إلى المناطق المتنائية، بحيث بات الحرير إحدى الصادرات الرئيسية للصين في عهد سلالة الهان (سنة ٢٠٦ ق.م.- سنة ٢٢٠ ميلادي)
يشقّ طريق الحرير المنطقة العربيّة ممتدّا عبر الأراضي الاردنية جنوبا ً في البتراء التي تقع بين البحر الأحمر والبحر الميت، المدينة النبطيّة المنحوتة من الحجر الرملي والتي كانت مأهولة بالسكان منذ عصور ما قبل التاريخ فقد شهد القرن الثالث عشر قبل الميلاد نشاطاً تجاريّاً قاده النبطيون من البتراء طرق التجارة الممتدة من دمشق نزولاً إلى شبه الجزيرة العربية، والتي جاء معظمها على طول طريق الحرير وأصبحت البتراء خلال العصر الهلنستي والروماني مركزًا رئيسيًا لقوافل البخور في شبه الجزيرة العربية والحرير الصيني وتوابل الهند ، ومفترق طرق بين شبه الجزيرة العربية ومصر وسوريا وفينيقيا.
ولأهمية طرق الحرير على امتداد اقطابه طرحت الصين في عام ٢٠١٣ مبادرة التشارك في بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" (يشار إليهما اختصارا بـ"الحزام والطريق")، بهدف بناء شبكة تجارة وبُنى تحتية تربط القارات القديمة آسيا بأوروبا وأفريقيا، وصولاً الى تعمير الطريق القديم للحرير والتوابل والعطور
ولقد حظيت مبادرة الحزام والطريق بقوة جذب كبيرة وتأييد في العالم وكذلك من الجانب الأردني وفي عام ٢٠١٥ وقّع جلالة الملك عبدالله الثاني وفخامة الرئيس شي جينبينغ، اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وكان لزيارة جلالته آنذاك أثراً مشهود به على مستوى الصين والاردن وبلدان العالم.
إنّ مبادرة الحزام والطريق تسهم في الاندماج العربي مع اقتصادات الدول القائم على تراث الحضارات القديمة والتاريخ. ويعزّز من سبل الاستفادة المتبادلة والشراكة مع القوى العالمية، وما تُمهّد له من فتح أبواب الاستثمار وإنشاء مشاريع بنى تحتية وتنموية، عدا أنّ مثل هذه المبادرة تعزّز العلاقات متعددة الأطراف، وترسّخ عمق التعامل المستقبلي بين الدول.
وإنّ سعي الدولة الأردنية نحو الشراكة والتعاون في بناء ودعم مبادرة «الحزام والطريق» سيعدّ انجازاً تنمويّاً يتلاقى مع رؤية الأردن ٢٠٢٥ وخطة تحفيز النمو الاقتصادي.
وتشير الارقام الصادرة عن البنك الدولي ان ٧١ دولة من المحتمل أن تُعنى في مشروع مبادرة الحزام والطريق.
وفي مقالة تم نشرها على وكالة فرانس 24 بتاريخ ١٩ - ٦ - ٢٠١٩
ان تقرير "اقتصاديات الحزام والطريق" الذي أعدّه البنك الدولي قدّر أن خطة "الحزام والطريق" ستعزز التجارة بنسبة 2,8 بالمئة إلى 9,7 بالمئة بالنسبة للدول المشاركة وما بين 1,7 و6,2 بالمئة بالنسبة للعالم.
وسيشمل مشروع طريق الحرير بناء مرافئ وطرقات وسككاً حديدية ومناطق صناعية ومطارات.
وكذلك سيسهم في توسيع الممر التجاري لبكين، وتعزيز الروابط التجارية ونقل السلع والبضائع بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا متضمنّاً عدد من الطرق البرية والبحرية في مناطق مختلفة.
وتحظى المنطقة العربية بأهمية كبيرة في هذه المبادرة باعتبارها أحد أهم مصادر الطاقة بالنسبة للصين، وكونها من أكبر الأسواق استهلاكًا للبضائع والمنتجات الصينية. وان موقع الأردن المركزي و الحيوي يولّد حافز للمضي قدماً نحو هذا المشروع بما يتلائم مع تطلّعاته و يحقّق المنفعة المتبادلة.