الثلج لا يأتي دائما.. يأتي مرة أو عدة مرات في السنة.. لا يمكث طويلا.. لكنه يحمل دروسا وعبر ليتنا ندركها ونتمثلها..
الثلج الزائر الأبيض له طقوسه عند الأرادنة كما كان يسميهم (العلم والكاتب المؤرخ روكس بن زائد العزيزي)، أيام الثلج لها طقوسها وجلساتها.. ولها حكاياتها، كنا صغار في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت البيوت غرفة أو غرفتين، وكان الحطب المخزن يشغل واجهة كاملة من واجهات الغرف، وكان الطعام بين المجدرة وشوربة العدس وراس البصل وإبريق شاي المنيوم أو معدن مطلي بالبورسلان الازرق يتمترس فوق الصوبة أو المنقل وحوله كاسات الجرس الفرنسية، كان الشراك خبز العائلات السريع التحضير، وخبز الطابون أيضا موجود إذا تمكنت النسوة من الوصول للفرن بسبب كثافة الثلوج، كانت (القرصة) حاضرة عند البعض وتعتبر وجبة كاملة تأتي من بين الجمر والرماد الذي يغمرها لتنضج، كانت الجلسات بسيطة لا تلفزيون ولا انترنت ولا غيره مما يجتاحنا حالياً، كان الأب أو الأم مصدر الحكايات والقصص المشوقة التي تشبع طفولتنا الغضة البريئة، كانت الأشياء والعلاقات أكثر نقاءً وبساطةً.. حتى الخلافات لم تكن ذات معنى لأن التسامح سيد الموقف.. كان سلوك الناس من أصل بيئتهم فكراً وعبراً.
في أيامنا لم تعد الأمور بذات النقاء والصفاء.. نماذج تجتاح أيامنا وحياتنا ومؤسساتنا.. مسؤول يتغول على كل من حوله، يبحث عن أي فرصة لإيذاء زملائه وليقول لهم انه موجود، يجند مجموعة ممن حوله ليختلقوا المكائد وضروب التزوير فقط ليرضي سواد سريرته.. أحدهم يصلي الفجر في المسجد، ولا يمنعه هذا أن يكذب أو يزور.. ممارسات هنا وهناك تجعلك تفكر ألف مرة.. أين تربى هؤلاء..! إنهم ليسوا منا لا يشبهونا ..لم تحاصرهم الثلوج.. ولم تبعث فيهم النقاء والصفاء.. تغريهم مكاسب تافهة..ينفذون دونها كل الموبقات… ليرضوا ويشبعوا غرور سيدهم.. ويحافظوا خانعين على بضع مكتسبات هزيلة.. مناصبهم براء منهم… نماذج موجودة للأسف بأرقى مؤسساتنا.. الثلج فرصة من الله لتقول لكل حاقد أسود السريرة.. كن أبيضاً نقي السريرة أو أنك ستذوب لاحقاً.. وتذهب دون أثر.
الثلج يفرد غطائه الأبيض الزاهي فوق الأرض برحابتها، فيخفي تحته كل ما لا يسر.. ويظهر لنا لون الصفاء والنقاء الأبيض الساطع يعكس خيوط الشمس.. رغم برودته، ليقول لكل من اسودت نفوسهم.. وأصبحوا رهينة لتغول أو سلطة زائلة لن تدوم كثيراً.. يسخرونها لتصفية الحسابات ومحاولة تشويه الآخر كذباً وزوراً وبهتاناً.. تمثلوا نقاء الثلج لتتخلصوا من حقدكم وغلكم وأظهِروا صورةً من نقاء وصفاء إن استطعتم لذلك سبيلا.. فرصتكم بعد أن أصبحتم مكشوفين لكل عابر سبيل أن تتوقفوا عن غلكم وحقدكم ومكائدكم.. وتلبسوا الأبيض النقي الناصع، فالثلج لا يأتي دائما والفرص قد لا تتكرر.. وأمثالنا الشعبية تقول.. (بكره بيذوب الثلج وببين إلي تحته).
الثلج نعمة من الله تحمل لنا دروس وعبر لو تمثلناها لتغيرت حياتنا.. حمى الله الأردن.