مريد البرغوثي .. لا غائب يعود كاملاً
د. نضال القطامين
16-02-2021 05:56 PM
على حد الحواف، في منتصف المنافي رحل مريد البرغوثي. رحل ابن دير غسانة وهو يرسّخ حالة خاصة جسّدت نكبات اللجوء وأبانت خيبات الحياة.
تنقّل في مغارب اللجوء، رأى رام الله وعشق القاهرة، تنقّل بين فنون الأدب الموجع في القصة والقصيدة، وكان من أجمل ما كان.
قبل عام ويزيد، جمعنا معالي الاخ والصديق الدكتور أمين محمود في جلسة هادئة في دارته التي تعج بالثقافة والسياسة والرؤى الحصيفة.
كان مريد وفتاه تميم، الشاعر والمحلل السياسي، وكانت ذكرى زوجته الراحلة الأديبة المصرية رضوى عاشور، نجوم ذاك المساء.
تلك عائلة استثنائية. مزقها الإبعاد وتناهشتها السياسة، لكنها بقيت ايقونة الأدب والثقافة، وعلامة التذكار للنكبة وللقضية. كانت رضوى عاشور عمود ارتكاز هذا البيت وقاعدة توازنه. قال لها مريد عندما أجبر على مغادرة مصر في نهاية السبعينات، أنتِ جميلة كوطن محرر، وأنا متعب كوطن محتل. أنتِ حزينة كمخذول يقاوم وأنا مستنهض كحرب وشيكة.
اختزل مريد مشهد ذاك المساء برمته اختزالا مؤلما لقصة شعب توزع في العالم شريدا. كان شعره ومسامرته الماتعة، وكان ابنه تميم، السياسي والمكافح والشاعر والمتمرد على الظلم، سيدا المشهد وسيدا الامسية.
قالا أن فلسطين القضية، غابت في لجج الأوبئة وصراع اللقاحات، حيث نسي العالم وتناسى، نكبتها، وأرخى على ذاكرتنا الهشّة، سدائل قاتمة وستائر داكنة وحالكة، وأبدع اللاعبون في اختلاق أسباب السلوة والذهول، فسهت الحواس، وغفلت القلوب والأفئدة، وعادت فلسطين من جديد، حلم جميل تائه، وبضعة سطور في كتب لا يقرأها أحد.
قالا، فيما قالا، أنه بينما ينام الناس في سَهْوَة الوباء وغَفْلَة العيش، ينضج المشروع الإستعماري على مهل.
ذاك من شأن ابتكار الأزمات وتكوين الضوضاء، وإشغال القوم بأشجان مفتعلة وكآبات، كي يتسنّى للاعبين توزيع الجري على مضمار واحد، وكي يكون بوسع المدربين وضع خطط التنفيذ برويّة وعلى مهل.
كانت فلسطين، ثم صارت قضية، وتمضي نحو أن تكون ذكرى، سلبتها من عقول المناضلين، قوى الشر وجنود الطغيان.
كانت فلسطين. قلب العروبة وجسدها الرشيق، وصارت ملعباً لشُذّاذ الآفاق وميداناً يصنع فيه الطارئون تاريخا مزيّفا يسوّقونه باسم السلام والعيش المشترك.
يا مريد ويا تميم، يا قامات بحجم النضال وحجم الكفاح، كانت فلسطين. وستبقى فلسطين، رئة النهر الغربية ووطننا السليب.
لن يكن بوسع التداعيات التي سوّق لها الرئيس المنصرف وصهره أن تلغي حقنا بحلم العدل والحق، ولن يكن بوسع كل الأزمات أن تضيع مفتاحا عتيقا لبيت فيها أو تمنع الريحان ان يزهر كما يفعل دوما في أقبية البيوت وساحاتها.
لروحك يا مريد السلام، ولتغفو قرير العين على ذكراك الجميلة، وسنبقى نذكر دائما، أن الأمل حق للناس والكفاح كذلك.