البيروقراطية في الأصل تعني حكم المكاتب او سلطة المكاتب وهي مأخوذه من مقطعين bureau و crcy واستخدمها العالم الالماني ماكس فيبر للدلالة على التنظيم الإداري الهيكلي والتخصص وتقسيم العمل والتسلسل الهرمي الوظيفي وإنجاز العمل من خلال توزيع المسؤليات.

مبدأ البيروقراطية اساسا هو مبدأ إيجابي اذا استخدم بموضوعية ومرونة بعيدة عن التعقيدات وازدواجية السلطات والتقيد الحرفي بالنصوص والتعليمات دون النظر الى الجوهر.

الا ان هذا المصطلح انحرف عن مفهومه الأصلي تدريجيا ليعني مفهوما اخر مؤداه الاعتيادية القاتلة والمملة والطويلة في إجراءات إدارية مكررة وتعدد المرجعيات والتواقيع والاختام ووجود فواصل زمنية بين كل إجراء وآخر وتمييع لإنجاز المعاملات الإدارية والاقتصادية بما ينعكس سلبيا على هدف الإنجاز السريع واختزال الوقت.

وبهذا المعنى فإن البيروقراطية تصبح أفة ضارة ومستفحلة في الدوائر والمؤسسات الرسمية وتشكل عائقا امام الاستثمار وانجاح اي عمل انتاجي او تنفيذي بشكل مرير ومؤلم.

نحن هنا نعاني من براثن البيروقراطية البغيضة بدءا من عدم توفر الموظف الواعي المدرب والذي يخضع للمساءلة والرقابة على كيفية تعامله مع المراجعين وقصوره في كثير من الأحيان عن فهم واقع عمله وجوهره وتقيده الحرفي ببعض التعليمات التي بأمكانه تجاوزها وعدم توفر المرونة لديه وعشقه للسلطة والتحكم وتحقيق الذات عبر أدوات تسلطية ظالمة وتعمده لتأخير انجاز المعاملات لغايات في نفسه ومرورا بالموظفين الأعلى منه مرتبة والذين في الغالب يتمتعون بالنفسية ذاتها ويعانون من ضعف القدرة على اتخاذ القرار.

في الغلب يحضر المراجع وهو خال الذهن عن طبيعة الإجراءات وكيف سيتم التعامل معه وكم من الوقت ستستغرق معاملته ولكنه محمل بالهم والضجر لما سيواجهه ولذا تراه في كثير من الأحيان يبحث عن واسطة قبل أن يراجع الدائرة الحكومية ليدرأ ما قد يواجه من صعوبات في إنجاز معاملته.

ومن مظاهر البيروقراطية عدم توفر اللوائح الإرشادية وسلسلة الإجراءات التي ستمر بها المعاملة وضعف تحديث المواقع الإلكترونية للدوائر والمؤسسات التي ينبغي أن تعلن عن إجراءاتها لكل معاملة وترشد إلى السلوك الصحيح وما هي مستلزمات انجاز معاملة ما من الشهادات والأوراق والوثائق حتى لا يضطر المراجع للعودة مرات ومرات إلى مكتبه وبيته لإحضار النواقص.

ومن مظاهر البيروقراطية ضعف مكاتب خدمة الجمهور من حيث اتساعها للمراجعين وعدم احتوائها على اللوحات الإرشادية وتسلسل سير المعاملة ومتطلباتها وضعف الموظفين وعدم قدرتهم على الإجابة عن استفسارات المراجعين.

وعلى الرغم من التوجيهات المتكررةبضرورة التحديث والتطوير ومحاربة البيروقراطية الا أنها بقيت حبرا على ورق وما زال المواطن يعاني يوما بعد يوم من تخلف الإجراءات وضياع الوقت في المراجعات وتأخر انجاز معاملاته.

ان الطريق الصحيح لمحاربة البيروقراطية هو في توفر الارادة الحقيقية واتخاذ إجراءات صارمة للبدء بالتنفيذ من اعلى السلم الوظيفي وأحكام الرقابة واخضاع الموظفين للمساءلة والعقاب.