أنا هنا لا ألوم أحدا، فقد ضربتنا كارثة كورونا على رؤوسنا، جميعا، والخسائر التي لا تحسبها الحكومات، أخطر من الدنانير المتناقصة في الخزائن الحديدية.
الآلاف يتسكعون في الشوارع، وفي الحارات، والأزقة، ويلعبون كرة القدم، أو يدخنون، فوق اكتساب سوء الإخلاق، جراء ثقافة الشوارع، وما فيها، وهذا الكلام هو حال كثرة من طلبة المدارس الحكومية، هذه الأيام، فلا المدارس مفتوحة، ولا الأهالي يقومون بدورهم، بل ينجبون، ويتركون الأبناء لتسهيلات الأيام، وحين يفشلون لاحقا، يلومون الصين فقط.
منذ سنة تقريبا، هناك تحول خطير في التعليم، شخصيات الطلبة باتت منفلتة، وإذا حاورت أحدهم تجده قد اكتسب كثيرا من الصفات السلبية، ولغة الجسد، تقول انك أمام كائن متحرك، غير منضبط، تتراقص يداه ورجلاه وهو يتكلم، ولا يستطيع الثبات، فقد غاب التعليم في المدرسة، وغاب المعلمون، وغابت كل العملية التربوية، بسبب ظرف كورونا.
والقصة ما تزال في بدايتها، ولا أحد يسأل عن مستوى التعليم، ولا الاكتساب، ولا المعرفة، وهذ يعني اننا أمام جيل ضعيف، يضعف أكثر، فهذا هو العام الدراسي الثاني بلا مدارس.
العقدة هنا، لا حل لها، في الأفق، كورونا تخرج علينا كل يومين بنسخة جديدة، وتتحور، وتصر على ان تلعن العالم، والوباء يتمدد، والهشاشة في البنية الإنسانية تتعمق، ولو قمنا بعد عامين بتقييم الطلبة، لوجدانهم ضعفاء، ولا قدرة لهم أساسا على التعويض، هذا فوق ان التعليم ذاته كان ينتج قبل كورونا، جيلا قليل المعرفة، وغير مصقول الشخصية.
ربما يسأل أحدهم ما هو الحل، ولا إجابة لدي، فلا فتح المدارس كليا، هو الحل، في ظل عدم استعداد أحد للتعاون، وكأن الآباء والأمهات، مهمتهم تنتهي عند التوصية الليلية على سعيد الطالع، أو طيبة المحيا، ويترك أغلبهم أولادهم لتصاريف الأيام.
تمتد هذه الحالة إلى الجامعات، وهذا هو الفصل الدراسي الرابع، الذي نقترب من دخوله، بلا تعليم وجاهي، وإذا كانت الجهات المختصة، لا تثق حتى بالطلبة الجامعيين، المفترض ان يكون وعيهم، كافيا لمعرفة معنى وجود وباء، فإن هذا الواقع تولد، من جهل عميق، يتخفى وراء كل ما نراه، ويكفي أن نرصد فرحة الطلبة في البكالوريوس، بكون التعليم عبر الإنترنت، فلا يريدون التعب، ولا الذهاب للجامعة، ويتمنون إنهاء البكالوريوس عبر الإنترنت، دون أن يدركوا معنى الحصول على شهادة نصف ساعات مساقاتها عبر الإنترنت، وغدا يتخرجون وتكون شهاداتهم في تنافسية الشهادات ثم الخبرات، صفرا مكعباً وملوناً.
هذه الخسائر لا تقف عند هذه الحدود، ويكفي ان نقرأ مثلا، وبسبب الأوضاع الاقتصادية، ان المجموع الكلي لأعداد الطلبة المنتسبين للمدارس الحكومية في هذا العام الدراسي ارتفع بنسبة 11.3 % مقارنة بالعام الدراسي الماضي، وبالمقابل انخفض أعداد الطلبة في المدارس الخاصة بنسبة 19.0 % لنفس الفترة، وهذا يعني فعليا ان العام المقبل، سنشهد الهجرة الأكبر من المدارس الخاصة، إلى الحكومية، وبالتالي تضرر المدارس الخاصة، وغرق المدارس الحكومية، بمن فيها، هذا إذا توفرت مقاعد وأماكن للمهاجرين الجدد.
لا تعرف ما هو الحل، فلا العائلات، في أغلبها، تأخذ دراسة الإنترنت على محمل الجد، فوق عدم قدرة كثيرين، على تأمين مستلزمات هكذا دراسة، وعدم قدرتهم على متابعة ماذا يفعل الأبناء والبنات، وهم لم يتابعوا في كثير من الحالات، وضع الأبناء حين كان التعليم وجاهيا، فكيف الحال الآن، فيما المراهنة على المسؤولية الفردية للطالب، سواء كان في مدرسة أو جامعة، تبدو نوعا من المشاعر المفرطة بالأمل، والسذاجة، معا.
بهذه الطريقة، وبسبب عامين دراسيين تقريبا، سنكون أمام جيل، تعرض إلى اضرار كبرى، على صعيد التعليم والشخصية، جيل تم توليده من الازمة، وسنذهب إلى الفرز الطبقي البشع وفي أشد درجات قسوته، بعد قليل، حين نكون أمام جيل منقسم، جيل غير مؤهل وضعيف وموزع في الشوارع والحارات، وجيل من المدارس الخاصة، مؤهل أساسا لمثل هكذا تعليم، تحصيله أعلى، وبالتالي سيكون مستقبله أفضل بكثير، وبينهما طلبة جامعات، يريدون استمرار التعليم عبر الإنترنت، ولا أحد يريد ان يفكر بالمستقبل، وقيمة شهادته الإلكترونية.
جهل وتضليل، نسير في طريقهما، دون أن نجد مخرج نجاة، حتى الآن.
(الغد)