مسار الضباب بوادي اللوز إلى بركة العرائس (صور)
عبدالرحيم العرجان
13-02-2021 01:12 PM
في الطبيعة تسقط كل الألقاب الاعتبارية إلا صفة الطبيب لدوره الإنسانيّ الكبير الذي لا يستغنى عنه في أي لحظة بغض النظر عن موقع المسار أو مستوى خطورته التي تصل بالإدارة السليمة وحسن التصرف إلى مستوى الصفر.
من بلدة سمر ذات الاسم القريب إلى القلب بلواء بني كنانة كانت البداية بعد جولة في إرجاء القرية بين بيوتها الحديثة ومضافات العز وعقود الكرامة العتيقة، بأجواءٍ ضبابية وغيوم قادمة من المتوسط وهو ليس ببعيد، بعد ليلة ماطرة أروت الأرض بغزارتها وجرت سيولها في الأودية المحيطة ومنها ما سوف نسلكه حسب المخطط وصولاً إلى بركة العرائس ونهر اليرموك وأرض معركته الخالدة، فقد كان مستوى الرؤيا يتباين من موقع إلى آخر حسب الارتفاع وكثافة السحب، الأمر الذي أضاف روعة ودهشة على جمال بدايات فصل الربيع.
سلكنا الطريق الشبه معبد ومن بعدها الترابيّ المخصص لخدمة البيارات والمزارع وفي منتصفه أقيمت بوابة حديدية مغلقة بأغلال لم نعرف سبب وجودها إلى أن انتهى بدرب السائرين "خطيطة" كما تسمى بالعامية والتي انتهت معالمها وتوجب إكمال المسير على ما أعددناه إلكترونيا وتتبع إحداثياته على أكتاف التلال المحيطة بوادي أبو اللوز المعرف بعذوبة مياهه وبعض روافده من عيون المنطقة التي يستمر تدفقها إلى ما بعد منتصف فصل الصيف حسب غزارة موسم الشتاء وخيره، ولهذا كثرت فيه الطواحين والمعاصر المائية وثلاثة منها ما زالت اطلالها ماثلة لغاية اليوم وعند إحداها كانت استراحتنا الأولى تحت ظلال شجرة السنديان التي تشبثت جذورها بجدار الطاحونة وكانها تقول وجدت هنا للمحافظة على ما تبقى من التاريخ وحمايته، كانت التربة مرتوية لحد الاشباع من مطر ليلة الأمس الغزير فمع كل خطوة يعصر ترابها ماء تحت أقدامنا، وهذا مؤشر خطر لاحتمالية الانزلاق حتى مع استخدام عصي الارتكاز مدببة الرأس خصوصاً في المنحدرات ليكون من الحكمة أن نسير بقلب الوادي الواسع ابتداءً من التقائه بوادي ملكا بعد خروجه من منطقة المزارع الخاصة ويصبح اتساعه أكبر وتعدد مهارب النجاة فيه وكثرتها لأي طارىء لا سمح الله مع أننا نتابع الحالة الجوية إلكترونيا بتطبيق يقدم تحذير خطر الشتاء قبل حدوثه بمنطقتنا والمحيطة بنا، ومع دخول الوادي الآخذ بالانخفاض تدريجياً مع كل خطوة كان الضباب يتلاشى لينجلي تماماً عند التقائه بوادي عين عطية.
صادفنا بطريقنا عدد من النابات إلا أن أندرها كان الجربوع "تفاح المجانين" المرتبط بعدد من الأساطير والمعتقدات الشعبية التي تقول لو وضعته المرأة تحت وسادتها، فيساعدها على الحمل كما يكثر الطلب عليه من المشعوذين لطرد الشياطين ويتم اقتلاعه من الأرض باستخدام كلاب مدربة لاعتقادهم لو أن الإنسان فعل ذلك ما يلبث أن يموت، وثماره تسبب الهلوسة وجذوره سامة قد تؤدي إلى الموت، ولغناء المنطقة بالأحياء أقامت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة محمية اليرموك للمحافظة على هذا التنوع الفطري والبيئي، ودخلنا طرفها عند مشارف بركة العرائس دائمة الخضرة والماء طول العام، والواقعة ضمن إحدى أهم مسارات الطيور بين القارات الثلاث للعالم القديم.
وفي ساعات الصباح الباكر والمساء تنشط الطيور والحيوانات حولها ويمكن مشاهدة بعض منها كطائر الوروار الذي يتغذى على النحل والواقواق المعروف بتطفله على أعشاش غيره وتربية صغاره والسلاحف المائية وكذلك السناجب والوبر وعنكبوت الجمل الضخم الغير سام، وهذه المنطقة مؤهلة أن تكون منطقة للرصد والخلوة الفنية والفكرية للتأمل والاستجمام بأعلى المقايس البيئية، وهذا من إحدى معتقدات تسمية البركة بهذا الاسم لكثرة من كان يئمها من العرسان وفي مقولة أخرى أن "عاروس" قد غرقت بها أثناء استحمامها،
ومن على التلة المشرفة عليها كانت نقطة استراحتنا الثانية مشرفين على نهر اليرموك وبلدة المخيبة وتلة خالد بن الوليد التي كانت مركز معركة اليرموك بهزيمة الجيش البيزنطي الجرار على أيدي المسلمين بعد معركة حامية الوطيس استمرت رحاها ستة أيام، وقد نكون نجلس بمكان خيمة قادة أو معسكر جند متعجبين كيف دارت معركة دخلت التاريخ بهذه المساحة الضيقة! بين الشعاب والأودية وقد تكون البركة أيضاً وصلها حمرة دم ما سال على انصال السيوف.
وللموقع أهمية تاريخية بالحقبة العثمانية؛ فقد قاموا بإنشاء عشرة جسور لخدمة خط القطار الحجازي حول النهر وعبره بعضها، والذي دمر نتيجة الحرب العربية الإسرائيلية، وإحداها غمر بماء سد الوحدة والأخرى بقيت ماثلة للعيان، كما مررنا بمقلع للصخور استخدمت في بنائها مدت آلية تفريعة خاصة من السكة، وعلى ضفة النهر أقام أهالي بلدة المخيبة استراحات بخدمات شعبية اخترنا أحدها لقهوة ختام مسارنا البالغ سبعة عشرة كيلومتر بمستوى متوسط الصعبة، وتلبية دعوة الدكتور ضياء الروسان الباحث في النباتات والبيئة لتناول غدائنا في بلدتهم أم قيس واختياره المكمورة وهي إحدى أطباق المنطقة المعروفة والمتوارثة بمكوناتة المحلية، ولم يخلو المسار من الطرائف فقد تبعتنا ماعز أضلت طريق عودتها للنتظر صاحبها وكلبة الذي أرشده إليها عند الاستراحة النهائية قرب البركة.