النهضة التعليمية
أ. د. عامر ابوجبلة الجبارات
11-02-2021 11:34 AM
إن قطاع التعليم في المملكة الأردنية الهاشمية يشكّل أهمّ القطاعات كونه يتصل بالإنسان الأردني واعداده للحياة إعداداً يمكنه من خدمة الوطن والأمة ، كإنسان واعٍ لمسؤولياته ودوره الريادي في مجال التعلّم والتعليم والثقافة وولوج كلّ جوانب التقدم والتطور والإزدهار في هذا العصر ، عصر التقدم التكنولوجي، والتخصصات الدقيقة.
إننا نعيش في عصر العلم والبحث العلمي ، نعيش عصراً تُمثّل المعلومات والمعرفة فيه أهمَّ مصادر الثروة والقوة ، وهو مصدر متجدد لا ينفد ، كما أنه مصدر يصعب احتكاره والسيطرة عليه ، وحرمان الآخرين منه ، أي أنه عصر تستطيع فيه الدول الصغيرة بل والدول الفقيرة أن تلحق بركب الأغنياء لو أحسنت استثمار مواردها البشرية بالرعاية والتعليم والتدريب.
لقدد تأسس نظام التعليم الحالي بعد تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946 م ، وقد بُني في أساسه وبداياته على نظم موروثه من فترات سابقة ، فقبل عام1921 م كان نظام التعليم نظاماً تقليدياً متوارثاً عن النظم العثمانية التي كانت سائدة في تلك الفترة ، وكان إطار النظام التعليمي مقتصراً على عدد قليل مما كان يسمى آنذاك بالكتاتيب، إضافة إلى بعض المدارس الابتدائية ، ومع تأسيس إمارة شرق الأردن فقد تأسس معها نظام تعليم شامل ، حيث ارتفعت معه المدارس إلى 44 مدرسة ، وعدد المعلمين إلى 71 معلماً عام 1922 م.
وفي آيار عام 1923 م وضع حجر الأساس لأول مدرسة ثانوية في مدينة السلط ، وفيها عقد أول مؤتمر للمدرسين في إمارة شرق الأردن في العام نفسه ، ومع تأسيس أول مجلس تعليم في الإمارة تمّ في آب من عام 1923 م توحيد جميع مناهج التعليم في المدارس الحكومية ، وقد أعقب هذه الخطوة تأسيس مدارس ثانوية متوسطة في كل من مدن السلط وإربد والكرك ، أي في شمال ووسط وجنوب الإمارة ، كما تم في مرحلة لاحقة تحويل مدرستي السلط وإربد إلى ثانويتين كاملتين.
وفي عام 1931 م أصبح عدد الطلاب في المدارس الحكومية الأردنية خمسة آلاف ومئتين وتسعة وثلاثين طالباً تستوعبهم أربع وخمسون مدرسة حكومية ، ويقوم على تدريسهم مئة وإثنان وعشرون معلماً ، ومن الملاحظ أن أول مدرسة صناعية تأسست في الأردن كانت في عمّان عام 1930 م، كمدرسة تجارية لاستيعاب الطلاب الذين أنهوا المرحلة الإبتدائية ولم تتوفر لهم فرص الإلتحاق بالمدارس الثانوية.
وفي الرابع والعشرين من أيلول عام 1940 م صدر مرسوم بإنشاء أول وزارة للتعليم في الأردن ، وقد وضعت هذه الوزارة أسس النظام التعليمي لإمارة شرق الأردن ، وقد اشتمل ذلك النظام على مرحلتين للدراسة ، ابتدائية ومدتها سبع سنوات ، وثانوية ومدتها أربع سنوات ، تنتهيان بإمتحانيين عامّين ، تشرف عليهما الدولة ، الأول : في نهاية المرحلة الإبتدائية، والثاني : في نهاية المرحلة الثانوية ، هذا إضافة إلى دورة تقنية ( تجارية زراعية ) مدتها سنتان دراسيتان.
وعندما أعلنت الوحدة بين الضفتين في24 نيسان عام 1950 م وُضِعت جميع المدارس التي كانت في الضفة الغربية تحت الإشراف المباشر في وزارة التربية والتعليم في عمان وقد واكب تلك الخطوات ارتفاع في عدد المدارس في الضفتين لتصل عام 1950 م الى 691 مدرسه تضم اكثر من 123000 طالب واكثر من ثلاثة الاف معلم ومعلمه ، وقد واكب هذا الاتساع في التعليم في الاردن صدور القوانين المنظمة له، ففي حزيران عام 1952 م صدر أول قانون مدرسي ينظم واجبات مدير المدرسة ونظام الامتحانات العامه وشروط قبول وتسجيل الطلاب وترفيعهم.
وفي المرحلة التالية وإلى يومنا هذا استمر عدد المدارس في الارتفاع في المملكة لتصل إلى 4000 مدرسة حكومية( فيها مليون و500 ألف طالب ) ، و3500 مدرسة خاصة ( فيها 500 ألف طالب ) فضلا عن رياض الأطفال والحضانات، موزعة على مدن وقرى ومضارب البادية في المملكة، و بعد عام 1967 م ازداد العبء على وزارة التربية والتعليم بسبب استيعاب النازحين الذين قدموا الى الضفة الشرقية، ولقد خطا التعليم في الاردن في المرحلة التالية خطوات واسعة بحيث اصبح مجانيا و اجباريا للسنوات الدراسية العشر الاولى ، ويستمر مجانياّ في مرحلة التعليم الثانوي، سواء الأكاديمي أو المهني ، وكان الأمر كذلك في مراكز تاهيل المدرسين والمراكز المتخصصة العليا.
ومنذ عام 1976 م جرى إلغاء الامتحان العام نهاية المرحلة الإعدادية وترك الأمر للمدارس نفسها في تقييم الطالب وترفيعه الى المرحلة الثانوية وبنهاية المرحلة الإعدادية تنتهي سنوات الدراسة الإجبارية ،وعلى أعتاب المرحلة الثانوية يترك للطالب الخيار إتمام دراسته الثانوية باختيار أحد فرعيها الأكاديمي أو المهني.
3
ولقد واجهه النظام التربوي في الاردن في العقود الاخيرة الاقبال المتزايد على التعليم في المجتمع الأردني ، فقد بلغت نسبه الالتحاق بالتعليم الاساسي الالزامي 97 بالمئه ممن هم في سن هذا التعليم ، كما بلغت نسبه الالتحاق بالتعليم الثانوي 70 بالمئه ممن هم في سن المرحلة الثانوية.
ومن التسهيلات التي قدمتها وزاره التربية والتعليم للمواطنين الأردنيين منذ عام 1991 م بأنه يسمح لكل مواطن أردني أكمل الخامسة والعشرين من عمره التقدم للامتحان التأهيلي يمكنه من دخول امتحان شهاده الدراسه الثانويه العامة .
تشير إحصائيات وزاره التربية والتعليم إلى أن عدد الطلبة في المدارس في الأردن أكثر من مليون ونصف طالب وطالبة على مقاعد الدراسة في مدارس وزاره التربية والتعليم ، وأن متوسط عدد الطلبة لكل شعبة ( صف ) 27 طالبا ، في المدارس الحكومية ، و 19 طالبا لكل شعبة في المدارس الخاصة.
كما تشير احصائيات الوزارة الى ان معدل الطلبة لكل معلم في مرحلتي التعليم الاساسي والثانوي في حدود 23 طالبا لكل معلم وبحسب هذه الاحصائيات فان هذا المعدل يبدو معتدلا بالمقارنة مع الدول المتقدمه في هذا المجال بالإضافة إلى أن برامج وزاره التربية والتعليم تتطور مع تطور العصر في عنايتها بالطالب والمعلم والبناء المدرسي والبيئي للتعليم وتوفير الإمكانات التقنية والتربوية المساعدة التي تخدم في أساسها الأهداف الإبداعية الخلاقة للطلبة والمعلمين في ربوع بلادنا.
ومن اجل تطوير العملية التربوية في الأردن على الدوام وبتوجيه ملكي سام تمت المبادرة ومنذ أيلول عام 1987 م فى وضع خطه وطنية للتطوير التربوي ، اتسمت بالشمولية المؤسسية، وأصبحت نموذجاً من الخطط الوطنية التي حظيت بالإشادة الإقليمية والدولية ، والدعم والتمويل من مختلف الهيئات الدولية المتخصصة، وأصبحت على المستوى الوطني من عناصر مقومات النظام التعليمي ومن ثوابت السياسة التربوية ، الأمر الذي جعلها خطة راسخة المرتكزات ، واضحة الأهداف، متكاملة البرامج ، متميزة بمرونة تطبيقية، لا تسمح بتغيير ثوابتها و بمنهجية للتقويم تهدف إلى تعزيز فعاليتها.
ولقد حدد خطاب جلالة الملك الحسين في المؤتمر الوطني للتطوير التربوي في أيلول عام 1987م المبادئ العامة التي ينبغي لعملية التطوير أن تأخذها بعين الاعتبار من أجل تمكين العملية التعليمية من التكيف والتعامل مع متطلبات العصر ومع متغيراته استيعاباً وابتكاراً وعطاء وأهم هذه المبادئ الحرص على التوازن في مقومات شخصيتنا الوطنية والقومية والانفتاح على الثقافة العالمية ، والحرص على التوازن النوعي بين الموارد والسكان ، والتكيف مع متغيرات العصر وتوفير القدرة الذاتية لتلبية متطلباته ، والايمان بالله والقيم الروحية، ومكانة التعليم في الحياة ، واحترام العمل بشتى صوره.
4
ولما كانت الغاية من التعليم بلوغ أهداف التقدم والنمو والتطور الوطني فقد التفتت وزارة التربية والتعليم و مختلف الوزارات الحكومية الأخرى إلى خطر الأمية وضرورة معالجتها بصورة جادة لبناء الإنسان الواعي القادر على التطور والانتاج.
إن اهتمام الأردن بمحو الأمية كان قد بدا في الاربعينات من هذا القرن ، حيث كانت المراكز المسائية تفتح أبوابها لأفراد القوات المسلحة الأردنية ، ثم انتقل الاهتمام بمحو الأمية إلى القطاع العام في عقد الخمسينات ، حيث كانت هذه البرامج تحت إشراف اللجنة العليا لمحو الأمية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك.
ومع صدور قانون التربية والتعليم رقم 6 لسنه 1964 م أصبحت برامج محو الأمية وتعليم الكبار من مهمات وزارة التربية والتعليم ، واذا تتبعنا مسيرة محاربة ومكافحة الأمية نلاحظ أن نسبه الأمية في بداية الستينات كانت 67 بالمئه ، وقد انخفضت هذه النسبة لتصبح في عام 1991 م 19 بالمائة ،كما قامت وزاره التربية والتعليم بفتح صف لكل عشره أفراد يسجلون لبرنامج محو الأمية ، سواء كان ذلك في المدينة أو القرية أو البادية، وهدفت خطه التطوير التربوي 89 - 98 إلى مواجهه ظاهرة الأمية وتخفيض النسبة إلى 11% بحلول عام 2000م ، وهي من أفضل النسب والمعدلات عالميا وأصبحت نسبة الأمية في الأردن بحلول 2020 م ، 5.1% ، ومقارنة مع عام 1952م فقد كانت النسبة 88%.
ومن الوسائل التي تستعين بها وزارة التربية والتعليم في الأردن لدعم العملية التربوية التلفزيون الاردني التربوي، فمنذ عام 1968م أصبح التلفزيون الأردني وسيلة هامة من وسائل التعليم بحيث خصصت برامج تلفزيونية تعليمية لطلاب المدارس في مختلف المناهج ، ويبث التلفزيون برامجه بشكل دوري مبرمج ، كما وزعت أجهزة التلفزيون على معظم المدارس الإعدادية والثانوية في المملكة ، للاستفادة من البرامج التعليمية التي يتم بثها عبر القناة التربوية.
ويعتبر التعليم الأساسي قاعدة للتعليم و أساسا لبناء الوحدة الوطنية والقومية ، وتنمية القدرات والميول الذاتية ، فيتألف التعليم الأساسي من الصفوف العشرة الأوائل أي من الصف الأول وحتى نهاية الصف العاشر ، والتعليم الأساسي مجاني وتهدف هذه المرحلة إلى تحقيق الأهداف العامة للتربية ، و إعداد المواطن في مختلف جوانب شخصيته الجسمية والعقلية والروحية والاجتماعية ، و تمكين الطلبة من التكيف مع المجتمع ومواصلة التعليم الثانوي.
5
ويعتبر التعليم الثانوي في الاردن حلقة الوصل ما بين التعليم الاساسي و الالتحاق بسوق العمل ، و يعتبر التعليم الثانوي حيويا للفرد والمجتمع على حد سواء ، فمن خلال التعليم الثانوي يتزود الفرد بمجموعة من المعارف والاتجاهات والمهارات التي تمكنه من التكيف مع مجتمعه من ناحية ومواصلة التعليم العالي من ناحيه اخرى ، وتتالف المرحلة الثانوية بشقيها المهني والأكاديمي من سنتين دراسيتين بعد التعليم الأساسي ، اذ تتراوح أعمار هذه الفئة من ست عشرة إلى ثمانية عشرة سنة ، ويقوم التعليم في هذه المرحلة على تقديم خبرات علمية وثقافية و مهنية متخصصة تلبي حاجات المجتمع الأردني الراهنة أو المستقبلية ، بمستوى يساعد الطلبة على مواصلة التعليم العالي أو الالتحاق في مجالات العمل ، ويأخذ التعليم الثانوي في الأردن أساسين هما مسار التعليم الثانوي الشامل الذي يقوم على قاعده ثقافيةٍ عامةٍ مشتركة وثقافة متخصصةٍ أكاديمية أو مهنية، ومسار التعليم الثانوي التطبيقي الذي يقوم على الإعداد والتدريب المهني.
ومن أجل تطوير نوعي للعملية التعليمية في الأردن فهناك نشاطات وأجهزة مهمة وجدت لتحقيق هذا الهدف ، وعلى رأسها الإشراف التربوي ، والتأهيل التربوي ، والتدريب أثناء الخدمة، والإرشاد التربوي ، والمكتبات المدرسية ومختبراتها والوسائل التعليمية ، والاندية المدرسية، أما في مجال التعليم العالي فقد حقق الأردن تطورا هائلا في هذا المجال خلال العقود الأربعة الأخيرة ، حيث يوجد في المملكة حاليا حكوميه جامعه اهليه بالاضافه الى 55 كليه متوسطه ويزيد عدد الطلبه الدارسين في الجامعات والكليات المتوسطه عن 120 الف طالب وطالبة.
إن جامعاتنا الأردنية وعددها ( 36 جامعة حكومية وخاصة ) هي منارات علم تعكس الاهتمام المتزايد الذي يوليه الأردن للتعليم العالي لخلق الكوادر البشرية المؤهلة ذات الكفاءة لرفد مسيرتنا التنموية بالطاقات الشابة القادرة على تطوير المجتمع الأردني في شتى الميادين والمجالات ، و الجامعات الأردنية الرسمية الحكومية وعددها 12جامعة مستقلة استقلالاً إدارياً ومالياً ، و لكل جامعة أردنية مجلس أمناء خاص بها.
وكانت أولى الجامعات الأردنية هي" الجامعة الأردنية " التي بدأت التدريس في العام الدراسي ( 1962م )، ثم جامعه اليرموك(1976) في إربد شمال المملكة ، والتي بدأت التدريس في العام الدراسي 76-77 ثم جامعه مؤتة التي أنشئت عام 1981 في جنوب المملكه ، و جامعه العلوم والتكنولوجيا التي أنشئت عام 1986 في شمال البلاد ، و جامعه آل البيت التي أنشئت عام 1993 في محافظه المفرق ،و الجامعة الهاشمية والتي أنشئت عام 1995م،جامعة البلقاء التطبيقية 1997 وكلياتها ( 12كلية )، ثم جامعة الحسين بن طلال 1999م ، وجامعة الطفيلة التقنية 2005 م ،والجامعة الأردنية/ فرع العقبة 2009م . وجامعة العلوم الإسلامية العالمية 2008 م .
أما الجامعات الأهلية فقد تم في السنوات الاخيرة انشاء سلسلة من الجامعات الأهلية وصل عددها إلى 24 جامعه أصبحت رافدا مهما لمسيرة التنمية الشاملة ، وإثرائها بالكفاءات والكوادر المدربة وهذه الجامعات هي : جامعة عمان الأهلية، جامعة ( البترا )، جامعة فيلادلفيا ، جامعة جرش ، جامعة العلوم التطبيقية الخاصة، جامعة الإسراء ، جامعة الزرقاء الأهلية، جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا ، الأكاديمية الأردنية للموسيقى ، جامعة الزيتونة، جامعة إربد الأهلية، جامعة عجلون الوطنية ،جامعة العقبة للتكنولوجيا ،جامعة عمان العربية ،جامعة الشرق الأوسط ،جامعة جدارا ،،كلية عمون الجامعية التطبيقية ،الجامعة الأمريكية ( مادبا) ، كلية العلوم التربوية والآداب الأونروا ،كلية ليمنوس الجامعية التقنية ،كلية الخوارزمي الجامعية التقنية ،الكلية الجامعية العربية للتكنولوجيا ، كلية طلال أبو غزالة الجامعية للابتكار .
أما كليات المجتمع فتعتبر من الروافد الاساسيه لمسيرة التعليم في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث تعمل على إعداد القوى البشرية بالمستوى التقني في مجالات الصناعة والزراعة والخدمات تلبية لحاجات المجتمع التنموية ، وخدمة المجتمع المحلي ورفع المستوى العلمي للأفراد في مجالات المعرفة النظرية والتطبيقية الى مستوى من التخصص بين المستويين الثانوي والجامعي.
وهكذا فان قطاع التعليم في المملكة الأردنية الهاشمية من أهم القطاعات التنموية البشرية وأقدرها على التطوير لأن هذا القطاع يمس بصورة مباشرة قدرات الإنسان العقلية ومهاراته ، فأوجد الأردن لذلك المدارس والمعاهد والجامعات التي تعتني بالإنسان الأردني وإعداده للحياة ، وكذلك ما يؤم جامعاتنا ومعاهدنا من إخوتنا العرب والأجانب الوافدين بنسبة 13.5% أيضا للمساهمة في بناء هذا الإنسان بناءً سليما يؤهله لاستيعاب المستجدات على صعيد التطوّر والتقدم العالمي في مجالات الحياة كافة.