مترو عمان بين "الأنفاق" والإنفاق .. أهمية وتحديات
روز نصر
10-02-2021 03:46 PM
إذا كان مشروع الباص السريع الذي طال انتظاره فاقدًا لثقة غالبية الأردنيين فكيف لمشروع "مترو أنفاق" أن يولد الأمل لديهم في تطوير شبكة النقل العام بما يلبي طموحاتهم؟
هذه المقدمة اعتدنا سماعها عند أي حديث يخص مشاريع النقل العام في المملكة وخاصة بعد عدة تصريحات حول نية أمانة عمان انشاء مشروع "مترو أنفاق" في العاصمة، و الذي جاء مؤخرًا على لسان مدير المدينة أحمد الملكاوي حين تحدث عن وجود دراسة مع شركة لإنشاء مترو بطول 18 كم دون أي التزام مالي من قبل الأمانة.
فكرة انشاء المترو ليست جديدة حيث وضعتها الأمانة ضمن مشروعها لتطوير شبكة النقل السريع و التي تحتوي بحسبها على نظام نقل عام عصري وفعال بالاضافة الى حافلات النقل عالية التردد BRT ، القطارات الخفيفة والمترو LRT، و كان العنوان قد تصدر الصحف المحلية منذ أكثر من 20 عامًا حينما ورد على لسان وزير نقل سابق وتوالت التصريحات على مر السنين حيث أعلن الأمين السابق لعمان عقل بلتاجي ان الأمانة تدرس إنشاء المشروع ليتقاطع مع الباص السريع بكلفة تقدر 2.8 مليار دينار، أما أمين عمان الحالي يوسف الشواربة الذي اجتهد في إدارة ملف الباص السريع أعلن عن مشروع المترو عدة مرات ليلاقي استحسانًا من البعض و استخفافًا من آخرين تحت بند "اذا الباص السريع صارله 10 سنين وما شفناه..مترو الأنفاق شو بده يصير فيه؟
سؤال مشروع ولكن الاجابة مهما كانت مقنعة فنجاح مشروع كبير بحجم مترو أنفاق في المدينة التي عانت الأمرين من الأعمال الانشائية للباص السريع (سابقًا) والتي رافقها ازدحامات مرورية متوالية، يحتاج الى إرادة حقيقة و تخطيط ذكي وتمويل مدروس مع امكانية اعتماد نظام البناء والتشغيل والتحويل B.O.T، كل هذا ضمن مخطط زمني واضح ومعقول "أي قابل للتنفيذ" الأمر الذي سيتبين لاحقًا وأعتقد هنا ان التجربة ستكون خير برهان.
أمر آخر في غاية الأهمية هو الأخذ بعين الاعتبار طبيعة و طبوغرافية عمان الجبلية التي تحتاج بحسب خبراء نقل و تخطيط الى تكلفة عالية حيث أن مناسيب المناطق وارتفاعاتها مختلفة، الأمر الذي يحتاج الى عمليات حفر كبيرة ومكلفة، اضافًة الى أهمية ان يكون هذا المشروع جزء من كل بحيث يتكامل مع منظومة النقل العام في المملكة لتغذية المحافظات.
وبالرغم من كلفته العالية الا أنه يعد مشروعًا اقتصاديًا طويل الأمد واستثمارًا ناجحًا له عدة فوائد على المستوى الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، من حيث انعكاساته على النمو الاقتصادي بتقليل استهلاك الوقود واستيراد السيارات وقطعها، وهو ما سيعود بالفائدة على مستوى دخل الأفراد حيث أن اعتمادهم على وسائل النقل السريع سيخفف من مصاريف اقتناء وترخيص وصيانة مركباتهم الخاصة، اضافة الى تقليل وقت الوصول من والى الأماكن الأمر الذي سيسهم في زيادة الانتاجية، والأهم من كل ما سبق ذكره هو الأثر البيئي المتمثل بتقليل الانبعاثات الكربونية وتخفيف التلوث السمعي "الضوضاء"، كما ان مترو الأنفاق يعد أحد أهم وسائل النقل السريع الذي اعتمدته غالبية دول العالم خاصة ذات الكثافة السكانية العالية بكونه يتميز في نقل عدد كبير من المستخدمين بوقت أقل من وسائل النقل الأخرى حيث أنه لا يتقاطع معها لأنه يعتمد على مسارات مخصصة داخل أنفاق أرضية يتخللها أحيانًا مقاطع على سطح الأرض كالجسور، وهو ما نحتاجه كتطور اضافي لشبكة النقل العام بعد تشغيل نظام النقل سريع التردد BRT، و الذي تسعى الأمانة من خلاله الى تحسين شبكة النقل العام وتخفيض عدد الرحلات اليومية للمركبات الخاصة على الأقل خلال أوقات الذروة الصباحية والمسائية أي أوقات الدوام الرسمي في القطاعين العام والخاص مما يسهم في تخفيف الازدحامات المرورية والتقليل من حوادث السير بنسبة عالية.
بالتأكيد العاصمة عمان تحتاج لتطوير منظومة النقل العام والارتقاء بها ولا ضير في ذلك خاصًة في ظل الازدياد المضطرد لأعداد السكان، واعتماد الغالبية العظمى على استخدام مركباتهم الخاصة والتي ازدادت في المملكة العام الماضي بنسبة 3.66% مقارنة بعام 2015 حين بلغت 1.22% بحسب تقرير ادارة ترخيص السواقين والمركبات، الى جانب الاعتماد الأكبر في استخدام المواطنين للمواصلات على سيارات التكسي وهو ما يدلل على تردي شبكة النقل العام، فوفقاً لدراسة المخطط الشمولي للنقل التي أجرتها الأمانة عام 2008، فإن نسبة الرحلات اليومية التي تستخدم النقل تبلغ 14%،في وقت من المفترض فيه أن تتراوح النسبة بين 25% الى 40%، وهو ما وضعته الأمانة في تصوراتها كواحد من أهم الأهداف لعام 2025.
تطوير منظومة النقل العام أصبحت حاجةً ملحة، والحكم المسبق هنا لا يخدم الواقع ففي النهاية "أن نصل متأخرين خيرًا من أن لا نصل".