تلوح في سمائنا الأردنية دوماً نجوم برّاقة، لا يخفت بريقها عنّا لحظةً واحدةً، استحقت وبكلّ فخر أن تخلد في الذاكرة الاردنية الزاخرة بالرجال المخلصين الذين صدقوا الوطن وأهله الوعد والعهد فصاروا على خطى الهواشم في الذود عن العروبة والدين شعارهم التضحية بالغالي والنفيس من أجل أن يبقى الاردن مسقط الرأس الذي لا نقبل عنه بديلا.
دولة الدكتور فايز الطراونه قامة أردنية سياسية وإقتصادية شامخة تعطي بلا حدود، قاموسه لا يحتوي على مفردة فشل يصنع من العجز قوة ويخلق من الهمس صخبا رجل كان لا يعترف بضعف الموارد ولا قلة الإمكانات أن نطق تتألق حروفه روعة وجمالا ، لا يتردد في الاعتراف بالخطأ والتقصير ويبادر لتصويب الأخطاء وإزالة الشوائب .
بعد نحو عقدين من دخوله “الرابع” مسؤولا عن إنشاء المكتب الاقتصادي؛ أخذ مفتاح مشروعه السياسي من خلال تشكيل حكومته الأولى، بقرار من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.
كانت المشاعر أكثر من مختلطة بوجدان دولة الطراونة وهو يتلقى تكليفه بتشكيل الحكومة من جلالة الملك الحسين عبر الهاتف، فغيرت كثيرا من مسار حياة الطراونة وأهدافه.
حيث كان وجهته متمسكة بسلاح الجو هدفا وغاية ليصبح طياراً، فيعاود المحاولة مع والده الذي رفض انتساب ابنه إلى سلاح الجو ، إذ كان معتبرا دراسته في كلية الاقتصاد مجرد سنة دراسية، وعليه أن يمضيها لأن هدفه كان طياراً .
إذ تغيرت الأحلام وتبدلت الأهداف عند الطراونة الطالب، وصارت مشاعره ضابطة لإيقاعه، فتحول مع الأيام من شخص حالم بقيادة طائرة في سماء الأردن إلى صاحب مشروع سياسي، عنوانه “رئيس وزراء قادم”، تعده الظروف والأيام على مهل.
تعلم في الجامعة ليكون سياسيا.. وعقب تخرجه من الجامعة، تعين في الديوان الملكي في ظل حكومة الشهيد وصفي التل رحمه الله .
ودخل الطراونة بعد ذلك القصر موظفا في التشريفات الملكية،وكان يتميز آنذاك بالعمل الجاد، فغادر العاصمة بعد عامين من عمله مكتملا حلمه، مبتعثا إلى الولايات المتحدة؛ ليكمل دراسته الجامعية حتى حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بجنوب كاليفورنيا.
وبعد أن أنهى دراسته، عاد الطراونة عام 1980، يحمل درجة الدكتوراة فاستأذن الطراونة الملك نقله موظفا اقتصاديا في مكتب رئيس الحكومة، عبد الحميد شرف ليتمكن من العمل بشهادته فأسس المكتب الاقتصادي، وسط تنامي حركة النمو الاقتصادي في المملكة، بعد أن اعتمد العراق في حربه مع إيران ميناء العقبة، إضافة إلى الحرب الأهلية في لبنان، وما تبع كل ذلك من انتقال لمكاتب إقليمية لكبرى الشركات والبنوك إلى عمان، ثم تدرج بعد ذلك في وظائفها حتى شكل حكومته الأولى عام 1998، وكانت حكومته آنذاك قريبة من كل مواطن تسعى إلى خدمته ،ولا يخفى على أحد العلاقة المميزة والوطيدة التي كانت تحملها حكومته والتي كانت مبنية على الثقة والاحترام المتبادل والتي جمعت حكومةالطراونه بمجلس النواب والتي تجلت في إنجازات تصب في مصلحة الوطن العليا فلمس المواطن تناغما وانسجاما غير مسبوق فالوطن كان حاضرا بقوة لدى المجلس والحكومة التي ينم عملهما عن تناغم وانضباط والتزام بروح الفريق الذي يواصل الليل بالنهار بكل نزاهة واخلاص لخدمة الوطن والمواطن.
إذ نجد الطراونة تاريخاً مليئاً بالخبرة والتفاصيل والأحداث، فيخرج منها مرة معاصرته للشهيد وصفي التل الذي كان يؤمن بأن رسالة الأردن قومية بامتياز، ثم يحرك أصابعه في زاوية مختلفة، فيطلعنا على علاقته بجميع السياسيين أصحاب الخبرة.
وهذا ما وجدناه من خلال قراءة كتابه بين “العهدين” إذ نجد فيه مذكرات يرصد بها دولة الطراونة محطات خبرته السياسية عقب 47 عاما من العمل في القطاع العام، بدأ بإعدادها عام 2011 فاردا بها مساحات كافية للحديث عن عهد الملك الراحل المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال طيب الله ثراه وعهد جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ، إضافة إلى مشاهدات ومعالجات أردنية كان بها حاضرا في دائرة صنع القرار.
“مذكرات” اضطر إلى تأجيلها بعد أن صدع للإرادة الملكية السامية بتشكيل حكومته ،إذ وضع نصب عينيه تنفيذ الرؤى والتوجيهات الملكية بكل أمانة وإخلاص بالرغم من تلاطم الامواج وتراكم الثلوج وإنصهار البراكين التي حلت بمنطقتنا من كل حدب وصوب بعد استقالة حكومة عون الخصاونة عام 2012، حين كانت المنطقة العربية غنية بالأحداث الجسام.. كانت فترة ما يسمى بـ”الربيع العربي”.
فالحدث كان يحتاج إلى رجل مرحلة صاحب خبرة سياسية قوية ، إذ مارس قناعاته السياسية وسط منطقة متحركة سياسياً.. في سورية ضجت الناس في الشوارع، وكذلك في تونس، وفي مصر ، فيما كان الحراك الأردني في أوجه الرقي المحافظ على وطنه.
شعر دولته بحالة من الرضا على إدارة حكومته نحو الطريق الصحيح، ومما لا شك فيه أن حكومة دولة الطراونه قد عملت بجهد ودعم دؤوب موصول من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه ، إذ سارعت الى ضبط نفقات الجهاز الرسمي الحكومي للمحافظة على المال العام واتخاذ حزمة من الاجراءات التصحيحية والإقتصادية وخلق بيئة استثمارية جاذبة لضمان تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية سيما وأن الاردن بات واحة أمن في قلب اقليم ملتهب تتفاقم ازماته الاقتصادية وتزداد معاناة مواطنيه في وقت عبر فيه الأردن بحنكة قيادته الهاشمية الى شواطئ الأمن والأمان .
إذ تجلت خبرته بأن طبقها على إدارة حكومته،فلا غرابه في هذه المواقف الوطنية والنجاح الذي قام به دولة الدكتور الطراونة، وإنما الغرابة في الذين يتنكرون لمثل هذه المواقف الشجاعة وينكرونها. شكرا لدولة الدكتور فايز الطراونه وأدام عليه الصحة والعافية ، وكلنا فخر وشموخ بما تم إنجازه لخدمة أردننا .
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأدامه واحة أمن وآمان ، وحفظ الله الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين والله من وراء القصد .