خواطر حول مقالة "استكمالا للقضاء الدستوري"
أ.د محمد سليم غزوي
10-02-2021 12:10 AM
هذه خواطر حول المقال المنشور على موقع المحكمة الدستورية الاردنية يريد كاتبه كما يستفاد من عنوانه ان يتمم او يستكمل النقص في هذا القضاء القائم عندنا منذ 6/10/2012 لنذهب ونطل على هذه المقالة حيث الفاتحة كما اراها ان التناحر ضار ومضر " تراجع مقالة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم " منصات التواصل او التناحر الاجتماعي " المنشورة بتاريخ 30/10/2018 في الصحف المحلية.
فإنني لا اؤمن به اي بالتناحر ولكني اؤمن بما هو مفيد ونافع الذي عبر عنه " القول الابلغ اقصد القول المأثور " اذا لم يتسع الصدر للرأي المخالف فلن نكون اهل علم او اهلا للعلم "ولأن الأمر يتعلق بالمحكمة الدستورية الأردنية " القضاء الدستوري الأردني" منجز 1/10/2011 اليوم الخالد والعظيم للدستور الأردني وهو من ايام المئوية الاولى لتأسيس المملكة الاردنية الهاشمية وفاتحة المئوية الثانية للمملكة " فقد تساءل المقال سالف الذكر عن ما اذا كانت المحكمة الدستورية تقوم بدورها وعن ما اذا كان هناك ما يحجب هذا الدور وذهب بعدها ليعلن عن " عوائق دستورية وقانونية وقضائية" تحول دون قيام المحكمة الدستورية الاردنية بالمهمة المنوطة بها كاملة وقد عنى المقال بذلك ما تأمر به وتتضمنه المادة 60 من الدستور بفقرتيها " 1و2 و يكملها قانون المحكمة الدستورية".
وبدأ يصب شديد نقده على الجهات الدستورية " السلطتين التنفيذية والتشريعية" التي يجوز لها الطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية واعلن ان الاولى بهذا الحق اي حق الطعن المباشر هم " النقابات والاحزاب والجمعيات "، واضاف نقدا من ناحية ثانية باتجاه آخر خاصا : بتقدير وفهم القاضي الاردني "لمصطلح الجدية" ونقدا اخر هو الاخطر وجه " لمحكمة التمييز الموقرة حيث ادعى بأنها اجهضت صلاحية المحكمة الدستورية " وانتهى المقال الى" ما اطلق عليه "برؤية التعديل" ظنا من كاتبه انها رؤية لا خلاف عليها وحولها.
ولأن النقد سالف الذكر زائد رؤية التعديل " امران هامان ومهمان " هامان حيث يتعلقان بالنظام القانوني الاردني والقائمين على تطبيقه ومهمان لان موضوعهما " الضمانة الاهم في النظام القانوني الاردني التي طالما تمنيناها وهي " القضاء الدستوري الاردني "فهل المقالة محقة بالنقد ؟ وصائبة برؤية التعديل ؟ فهذا اسئلة بالقانون وتتطلب اجابة في القانون لا بالسياسة او الفلسفة..الخ وهو ما يفرضه على الجميع الواجب العلمي والوطني ويؤيد الجهر به وبسطه امام الكافة.
وعليه فان نقطة البدء عندي:
اولا) فيما يخص " ذلك الذي امرت به وتضمنته المادة 60 بفقرتيها 1و2 " فقد تناوله الفقه " القانوني بشكل عام " زائد فقه القانون العام القانون الدستوري والقانون الاداري زائد وبشكل خاص فقه القانون الدستوري" هذا ولأن " للفقه الدستوري وللقضاء الدستوري دوره الهام " فاننا سنطل على هذا الدور لنقتطف منه ما يفيد : "ان قصر الحق في رفع الدعوى الاصلية او الطعن المباشر على السلطتين " التشريعية والتنفيذية" كما يقول الفقه الدستوري " " ليس غريبا على الفكر الدستوري ولانه اجراء خطير يفضل معه ان يكتفى بحق الافراد " بالدعوى غير المباشرة او الدفع الفرعي " وقد اخذ بهذا الاتجاه دساتير بعض الدول العربية والاجنبية واخرى عربية واجنبية لم تأخذ به.
هذا وعلى العكس مما يتضمنه المقال وما ساقه من مثال عن "حرية التجمع" ان لا فائدة من قصر هذا الحق على الجهات سالفة الذكر فإن الفقه الدستوري يرى ان "الطعن المباشر" يحقق فائدة فعلية حيث بالاضافة الى امكانية كل من الجهات المذكورة ان تلغي او تعدل التشريع الصادر عنها فان هناك من الحالات ما تحتاج فيها كل من السلطة التشريعية والتنفيذية الى اتباع طريق الطعن المباشر لتقرير عدم دستورية التشريع " فاهمية لجوء مجلس الوزراء للطعن المباشر تبرز للتغلب على "ما يصدر من تشريع يشك في دستوريته عن المجلسين مجتمعين " واما ما يخص السلطة التشريعية فاللجوء للطعن المباشر امر ضروري عندما يختلف المجلسان حول مشروع قانون ويتم اقراره في اجتماع مشترك للمجلسين، ويتضح الأمر أكثر في استخدام الطعن المباشر عندما يتعلق الطعن بالانظمة التي تنفرد السلطة التنفيذية باصدارها ." تراجع الطعون الواردة الى المحكمة الدستورية الاردنية في هذا المجال ".
وعلى العكس مما تضمنه المقال من ان " الدفع بعدم الدستورية او الطعن غير المباشر " قلما يصل الى مبتغاه بسبب قيدين يعدان تكبيلا لحق الطعن: " ان يكون الدفع جدي " و"ان يكون القانون او النظام الذي اثير الدفع بعدم دستوريته واجب التطبيق على موضوع الدعوى"، فالأمر كما يقرر الفقه الدستوري والقضاء الدستوري خلاف ذلك " كيف ؟ لقد اجمع كل من الفقه والقضاء الدستوري على ان من اركان او مقومات الدفع بعدم الدستورية " ابداء دفع تقدر محكمة الموضوع جديته .. فالجدية شرط اولي لاتصال الدعوى الدستورية بالمحكمة الدستورية.. وهو شرط يستهدف قطع الطريق على دفوع عدم الدستورية التي لا يراد منها سوى تعطيل سير الدعوى الموضوعية وعدم اثقال القاضي الدستوري بدعاوى تسويفية.. وتقدره محكمة الموضوع حيث يفترض - كما تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية" القضية 62 لسنة 18ق- دستورية – 15/3/1997" – اجالتها لبصرها فيه بعد فهمها لحقيقته ووقوفها على ابعاده ويقتضي ذلك ان تقابل بصفة مبدئية بين هذا النص والنصوص الدستورية المدعى مخالفتها مستظهرة من ذلك نطاق التناقض بين مضمونه واحكامها ولا يجوز بالتالي ان يكون تقدير محكمة الموضوع جدية دفع مثار امامها منفصلا عن تعارض تتحراه مبدئيا بين النصوص القانونية المطعون عليها ومواقع بطلانها من احكام الدستور".
وفي تقديرها لجدية الدفع ستنطلق محكمة الموضوع اولا من تصور " لمدى لزوم النص التشريعي المدعى مخالفته للدستور للفصل في النزاع الموضوعي المعروض لنظرها، لتعرج بعد ذلك على بحث ما اذا كانت مطاعن عدم الدستورية الموجهة الى هذا النص لها ما يظاهرها ويرجح شبهتها من الدلائل وبما يفيد اخذها في الاعتبار ام لا".
ونضيف امرا هاما في ضوء هذا التدرج الذهني والمنطقي لعملية تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية من عدمها "ان تقدير محكمة الموضوع لن يقيد المحكمة الدستورية لدى نظرها المسألة الدستورية"
هذا ولان المقال لم يلتفت الى كل من الفقه الدستوري ولا الى القضاء الدستوري حيث هي المصادر الهامة والمهمة في هذا الموضوع ولا الى ما هو سائد في دساتير الدول الديمقراطية او دول القضاء الدستوري." فهو موقف سلبي وليس بالحسن حيث اثاره السلبية ستنعكس حتما على مضمون المقال " وبالتالي فإن النقد غير محق واكثر فهو برأيي ضار.
ثانيا)اما فيما يخص " رؤية التعديل " التي تضمنها المقال المنشور على صفحة المحكمة الدستورية الاردنية فان المسار في تقييمها وابداء الراي فيها وحولها سيكون وفقا للعبارة الخالدة "اننا قد نمضي في محيط لا نرى فيه ارضا بل وربما لا نبصر الشمس او النجوم.. غير ان لدينا خريطة وبوصلة ندرسها ونستشيرها ونطيعها وهذه الخريطة هي الدستور. اما البوصلة فهي الرقابة القضائية على دستورية القوانين.
هذا ولان المقال سالف الذكر اندفع يجتر المادة 60 من الدستور في رؤية اطلق عليها "رؤية التعديل" ظنا من كاتبه انها الرؤية التي ستنتج اصلاحا دستوريا فاني لا ارى ذلك لماذا ؟ ؟ وهو سؤال بالقانون ايضا.
اما لماذا فلأننا نرى في "رؤية التعديل " انها تنهج النهج الضار الا وهو "منهج النثر مع المزج" حيث اصبحت مكونات تعديل المادة 60 " ثلاث فقرات بدلا من فقرتين: ففي الاولى " ابقى على جهتي الطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية" السلطتين التشريعية" مجلس الاعيان ومجلس النواب " والتنفيذية " واضاف الى هذه الفقرة " د-النقابات المهنية ه-الاحزاب المرخصة و- الجمعيات والنوادي المشكلة وفقا لاحكام القانون "وهنا لا بد ان نتساءل هل من الحكمة وهل من الجائز ان يجمع في مادة واحدة كل هذه الجهات ويكون من صلاحيات كل منها الطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية" ؟ وقبل ذلك هل هناك من هذه الجهات ما هو اولى من الاخرى لقصر الطعن المباشر عليه؟ وبالعودة الى بيان " مدى احقية المشرع الدستوري في قصر حق الطعن المباشر على كل من مجلس الاعيان ومجلس النواب ومجلس الوزراء.
فإن نقطة البدء أن ننعش ذاكرة المقال بأمر هام ومهم بما تضمنه النظام القانوني الأردني حيث مهد دون نص صريح - خلافا لما ذهبت اليه بعض الدول من النص على ذلك صراحة - برقابة عامة تم ربطها باجراءات وضع القانون ذاته " تراجع نصوص الدستور الاردني الخاصة باجراءات وضع القانون كما تراجع محاضر جلسات مجلس الامة الاردني " ولأن الدستور الاردني ليس خيمة تنصب للنوم ولكنه دائم التطور وهنا علينا ان نطبع في الذاكرة ذلك اليوم الخالد للدستور " 1/10/2011" جاحد من ينكر من الباحثين والدارسين ولا يعترف بأن الفضل فيه هو للملك عبدالله الثاني فما جاء به ذلك اليوم واقر هوالذي ارسى اسس الاصلاح الدستوري الحقيقي واعني بذلك وفقا لذلك الكم الكبير من التعديلات التي تمت واجريت على دستور 1952 وكان من الابرز "النص على انشاء المحكمة الدستورية لتصبح المملكة من دول القضاء الدستوري بأسسه وركائزه التي اعلنها واقرها كل من الفقه والقضاء الدستوريين. ومن هذه الاسس او الركائز تلك التي تضمنتها المادة 60 من الدستور بفقرتيها الاولى والثانية.
وما دمنا نتحدث عن الفقرة الاولى التى قصرت اثارة الطعن المباشر بعدم الدستورية على " هيئات معينة مجلس الاعيان ومجلس النواب ومجلس الوزراء. وبرز من يهاجم هذا الموقف من المشرع الدستوري ويذهب الى عدم احقية هؤلاء فالاحق غيرهم وهم من انتقتهم المقالة: النقابات والاحزاب والجمعيات " وهنا لا بد من ان نفصل لندفع هذا الهجوم غير المحق كيف ؟
نقطة البدء ان الطعن المباشر يعني ان يتم ابتداء واستقلالا عن اي نزاع وذلك بعكس الطعن غير المباشر الذي يتم بوساطة المحاكم القضائية كما امرت به الفقرة الثانية من المادة 60.
ولان الدعوى بشكل عام تقام بين طرفين: مدعي ومدعى عليه ففي الطعن المباشر يوجد مدعي ولا يوجد مدعى عليه فيقدم الطعن ضد عمل قانوني "هو القانون او النظام المستقل" ولأن القاضي يملك الغاء القانون او النظام غير الدستوري فقد وصف بالاجراء الخطير لما يرتبه الالغاء من ضرر يصيب النظام القانوني في الدولة واستقرار المعاملات فيها واكثر قد يؤدي الى صدام بين السلطات فيما بينها وبخاصة مع السلطة القضائية ولهذا ذهبت اغلب النظم الدستورية الى تحديد الجهات التي يسمح لها بالطعن المباشر كما فعل المشرع الدستوري عندنا وقصر حق الطعن المباشر على كل من "مجلس الاعيان ومجلس النواب ومجلس الوزراء "، وهنا لا بد من وقفة وعلى الرغم مما تقدم فقد ذهب المشرع الدستوري الاردني ونهج منهج الدساتير المتقدمة في الدول الديمقراطية حيث لم يقم بحرمان الافراد/ الجماعات من اللجوء الى المحكمة الدستورية وانما قنن ما يتيح لهم تحريك الدعوى بعدم الدستورية بواسطة "الطعن غير المباشر او الدفع الفرعي" الفقرة الثانية من المادة 60 " سالفة الذكر واكثر فقد كفل لهم الدستور حق الطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية في مجالين هامين جدا كما سنبين لاحقا.
هذا وبالعودة الى الاضافة التي قامت بها "رؤية التعديل" اي اضافة " النقابات والاحزاب والجمعيات " الى كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية. فما مدى مشروعيتها؟ اي مشروعية الاضافة لهذه الجماعات ؟ لا اعتقد بانها مشروعة ذلك لان هذه الاضافة تعطي الحق لكل من النقابات والاحزاب والجمعيات "بالطعن مباشرة لدى المحكمة الدستورية حتى ولو لم تضار او تتضرر من جراء هذا القانون او النظام وبهذا تذهب الى تقنيين ما يطلق عليه "بدعوى الحسبة" او على حد تعبير الفقيه الكبير " بوردو " " الطعن الشعبي " popularis actoi " بحجة الحفاظ على الدستور، وبناء عليه فلا اعتقد ولا ارى اية حكمة او فائدة من تعديل الفقرة الاولى للمادة 60 كما ان الاولى والاحق بالطعن المباشر هما " السلطتين " التشريعية" مجلسي الاعيان والنواب "والتنفيذية" مجلس الوزراء " ويلزم الحفاظ على هذا لخطورة ما يترتب عليه من نتائج ماسة في النظام القانوني.
اما عن مدى مشروعية هذا التعديل بالاضافة فلا اراه مشروعا او منسجما مع ما يأمر به الدستور الاردني حيث تضمن من النصوص - كما سنبين - ما يكفل حق الافراد/ الجماعات بالطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية عندما يضار او تضار المجموعة وما ينبذ في نفس الوقت مبدأ " دعوى الحسبة او الطعن الشعبي "، ونضيف ان "رؤية التعديل " ابقت في الفقرة الثانية على "مصطلح الجدية" بيد المحكمة الناظرة للدعوى وقامت فقط بمناقلة ضارة وغير مسؤولة لحق الاحالة مباشرة الى المحكمة الدستورية من محكمة التمييز الى المحكمة الناظرة للدعوى "و في الفقرة الثالثة الجديدة الزائدة اضافت مقتبسة من قانون المحكمة الدستورية في البحرين " اذا تراءى للمحكمة الناظرة للدعوى ان النص المنطبق على النزاع المطروح امامها غير دستوري توقف النظر في الدعوى وتحيل هذا النص الى المحكمة الدستورية. " وهو أمر عرفه القضاء الاردني وتقره كافة التشريعات التي تنظمه فلسنا بحاجة الى تقنينه والنثر بشأنه"
هذا ولان المقال سالف الذكر لم يضع المسألة في وضعها الصحيح فإنني سـأسارع إلى القول إننا لسنا بحاجة الى تعديل اي من نصوص الدستور التي تتعلق بصلاحيات المحكمة الدستورية الاردنية او التي تتضمن ما يسمح بالاتصال بالدعوى الدستورية امام المحكمة الدستورية." كالجدية الشرط الاولي لهذا الاتصال كما سبق وبينا لماذا؟ فهذا سؤال في القانون الدستوري وبالتالي يتطلب اجابة دستورية وليست سياسية او فلسفية.. الخ.
لنبدأ كما يقول الفرنسيون من البداية:
اننا لسنا بحاجة الى تعديل دستوري "المادة 60 او غيرها". ولكن نحن بحاجة فقط ان تلتفت الاسرة القانونية" قاض محام استاذ قانون.. الخ " الى ما لدينا من نصوص في هذا المجال ونطالب بتفعيلها وان لا نكتفي بالاطلالة على الدستور الاردني من بعد او عن بعد فالدستور وما تضمنه من نصوص بحاجة الى ان يسبراغواره وتسبر اغوار نصوصه بحثا عن ما تريد.
وهنا سأجهر بالقول :غريب من لا يعلم ان دستور 1952 الاردني يتضمن الكثير الكثير ومن بين هذا الكثير نصين هامين للنظام القانوني الاردني ومهمين للمحكمة الدستورية الاردنية وبالتالي للقضاء الدستوري الاردني. وجاحد من لا يلتفت لهذين النصين التوأم الهامين والمهمين وهما: "نص المادة 17 من الدستور الاردني: للاردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من امور شخصية او فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون "، "ونص المادة 128/1 من الدستور الاردني: لا يجوز ان تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق او تمس اساسياتها.
اولا) اما ما يخص المادة 17 من الدستور الاردني " التي تفتح الباب للاردنيين للجوء الى المحكمة الدستورية" او تقديم الشكوى الدستورية" فهذه المادة تنص على ان للاردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من امور شخصية او فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون. ومثل هذا النص نجده في العديد من الدساتير اهمها: دستور الولايات المتحدة الامريكيه والدساتير المصرية لعام 1923 وما بعدها ودستور الجمهورية الايطالية لعام 1947 ولكن الاهم هو القانون الاساسي لجمهورية المانيا الاتحادية لعام 1949 حيث نصت المادة 17 منه على حق كل فرد سواء اكان بمفرده او باشتراك مع مجموعة من الافراد في التقدم كتابيا بالتماسات او بشكاوى الى الجهات المختصة والى المجالس النيابية article 17 “ right of petition” every person shall have the right individualty or jointly with others to address written requests or complaints to competent authorities and to the legislature واضافت المادة 93 من الدستور بأنه تبت المحكمة الدستورية الاتحادية بشأن الشكاوى الدستورية التي يمكن لكل شخص ان يرفعها " الشكوى الدستورية ضد الاحكام اي فحص القانون والحكم ذاته " " والشكوى الدستورية ضد صيغة قانون ما وذلك خلال عام يبدأ من تاريخ سريان القانون " وبينت الماده 23و92 وما بعدها من قانون المحكمة الدستورية الاتحادية ما يلزم لتقديم هذه الشكوى " ان يكون الضرر قد وقع على الفرد شخصيا وان يكون الضرر قد وقع عليه في الزمن الحاضر وان يكون الفعل قد انتهك بشكل مباشر حقوقه التي يكفلها له الدستور وان يكون هناك اسبابا كافية"، وما دام الامر كذلك فان المسألة بينة وواضحة بمعنى ان المادة 17 من الدستور الاردني لعام 1952 قننت الحق للاردني / للاردنيين في تقديم الشكوى للسلطات العامة عندما تنتهك حقوقه/ حقوقهم وتأتي على خلاف ما يأمر به الدستور والقوانين المكملة التي تتحول الى دعاوى قضائية دستورية ولأن صاحب الحق في النظر بهذه الشكاوى الدستورية القضاء الدستوري. وحتى نقنن ما يتعلق بمعنى ومضمون الشكوى الدستورية وكيف يتم تعامل الافراد او الجماعات معها علينا ان نضيف عقل غيرنا الى عقلنا بمعنى ان نلجأ الى القانون المقارن وهنا تبرز تجربة المحكمة الدستورية الاتحادية الالمانية وضرورة الاستفادة منها.
ثانيا) واما ما يخص المادة 128/1 فهذه المادة هي التوأم للمادة 17 حيث تحرم الرقابة خارج النص الدستوري وروحه وتضيف اختصاصا جديدا للمحكمة الدستورية الاردنية خاصا بحقها في الرقابة على التعديلات الدستورية التي تمس او تهدر كل من المشروعية السياسية والشرعية الدستورية كيف؟
لأن التعديل الدستوري وسيلة من وسائل الاصلاح الدستوري تتطلبها الظروف السياسية والقانونية.. الخ وتباشرها سلطة التعديل " مجلس الامة" من خلال اجراءات تكفل استقرار مجموع القواعد الدستورية.
ولان سلطة التعديل ليست سلطة مطلقة فهناك من الدول من لديها مبادئ او قواعد فوق الدستورية supra constitutionnelle تقود الى تدرج بين قواعد القانون الدستوري وهناك من الدول كالأردن مثلا لا تقر المادة128/1 مثل هذه المبادئ الفوق دستورية حيث الفارق واضح بين روح الدستور والمبادئ العليا فروح الدستور هي روح كل نص من نصوص الدستور وبالتالي فهي روح النصوص جميعها. وبالتالي لا يقود هذا الموقف الى تدرج بين نصوص الدستور الاردني باستثناء وبشكل مؤقت ما نصت عليه المادة " 126/2 من الدستور " لا يجوز ادخال اي تعديل على الدستور مدة قيام الوصاية بشأن حقوق الملك ووراثته " ونضيف بانه ووفقا لنص المادة 33 من الدستور الاردني لا يوجد اية قواعد اعلى من قواعد الدستور فهو الاعلى ويسموعلى كل ما عداه"، وبناء عليه فهل هذا يكفي للقول بان الرقابة على التعديلات الدستورية جائز في النظام القانوني الاردني ؟ سأجيب بأن الرقابة نعم جائزة ولكني سأضيف لأعزز النعم في هذا المجال كيف؟ لأن التعديلات الدستورية يقوم بها مجلس الامة وتتم وفقا للاجراءات البرلمانية بالتصويت عليها من مجلسي النواب والاعيان، وبالتالي فإن كلمة / جملة " القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور " تشمل القوانين الدستورية، ولأن الامة / الشعب / اغلبية الشعب وفقا لنص المادة 24 من الدستور مصدر السلطات وتمارس الامة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور " وحينما تمارس هذه السيادة من قبل مجلس الامة فلا بد من الرقابة للتأكد من احترام هذا المجلس لضوابط ممارسة هذه السيادة المنصوص عليها في الدستور شكلا وموضوعا.
والا – كما يقول الفقه الدستوري – ما الفائدة من تنظيم الرقابة على سائر اعمال السلطات العامة في الدولة؟ وما الفائدة من وضع قيود على سلطة التعديل الدستوري ؟. واضيف ما الفائدة من القيد سالف الذكر الذي تضمنته المادة 126/2 من الدستور الاردني الامر الذي يقود الى القول "بأن المادة 128 هي السند الدستوري لاختصاص جديد يضاف الى اختصاصات المحكمة الدستورية الاردنية خاصا بـ " الرقابة على التعديلات الدستورية".
وبناء على ما تقدم وحيث وفرت المواد 17 و 128/ 1من الدستور " الاختصاصين الهامين للمحكمة الدستورية" النظر في الشكوى الدستورية بسند المادة 17 من الدستور" "والرقابة على التعديلات الدستورية بسند المادة 128/1 من الدستور" ليصبح اختصاص المحكمة الدستورية الاردنية بالاضافة الى "تفسير نصوص الدستور" الرقابة على القوانين والانظمة" النظر في الدفوع بعدم الدستورية الفرعية " النظر في الشكوى الدستورية" الرقابة على التعديلات الدستورية".
وعليه وفي ضوء ما تقدم نقول :"ان المقالة المنشورة على صفحة المحكمة الدستورية" غير محقة في طرحها لموضوع الاتصال بالدعوى الدستورية امام المحكمة الدستورية " وغير صائبة في "رؤيتها للتعديل" حيث في مجموعها لا تعبر عن اصلاح دستوري حقيقي ذلك لانها : لم تلتفت الى ما يفيد وينفع في الفقه والقضاء ولم تلتفت الى " ان نصوص الدستور لا تتدرج بل هي وحدة واحدة كل يكمل الاخر " ولانها اكتفت باطلالة غير مفيدة تخلو من المهنية والحرفية على ما تأمر به نصوص الدستور الاردني وتتضمنه فالاطلالة الدستورية غير كل الاطلالات حيث القواعد العليا قمة الهرم في النظام القانوني بتدرجه المعروف " فهو " الخريطة والبوصلة".
وبناء عليه فانني ارى :
1- اننا لسنا بحاجة الى تعديل دستوري بالاضافة او بالحذف يجرى على اي من نصوص دستور 1952 خاصا باختصاصات المحكمة الدستورية. او ما يسمح بالاتصال بالدعوى الدستورية امام المحكمة الدستورية ولكننا بحاجة ان لا نطل عن بعد على الدستور وعلى ما يأمر به ويتضمنه واضيف أننا بحاجة الى سبر اغوار الدستور بالبحث العلمي الجاد وبروح البحث العلمي الحقيقي.
2- هذا ما يخص الدستور وما يأمر به واما ما يكفينا ويسد حاجتنا في هذا المجال فقط مراجعة قانون المحكمة الدستورية الاردنية رقم 15 لسنة 2012 حيث الحاجة ماسة لاجراء التعديلات اللازمة عليه بما ينسجم مع الدستور وما يأمر به وتفعيل اهم مرافقه " المكتب الفني " .
واضيف اننا نطمح ان تكون المحكمة الدستورية الاردنية" النموذج بين شقيقاتها في العالم العربي"، وان لا تنحرف المحكمة الدستورية عن مسارها القانوني بحيث تظل محكمة مشروعية لا محكمة ملاءمة وان لا تخرج من مجالها القانوني الى المجال السياسي وبهذا تتعزز ثقة الافراد والمؤسسات بها وتقوم بدورها على الوجه الاكمل.
واختم بالقول والله الموفق الى سوي الطريق.