احداث غير مسبوقة تشهدها الاسواق العالمية. هي بالاحرى ثورة قوامها مستثمرون افراد جمعت بينهم وسائط التواصل الاجتماعي لتشكل منهم قوة استطاعت ان تقلب الطاولة على صناديق التحوط الضخمة التي منيت خلال الاسابيع الماضية بخسائر فادحة بفعل صعود هذا الحراك، الذي يمثل في بعض جوانبه التيار الشعبوي المتطرف الناقم على كل ما هو رسمي ومؤسسي.
وكما ان لكل ثورة وقودها فان وقود هذه الثورة هي السيولة الرخيصة التي توفرت بفعل السياسات المالية والنقدية شديدة التوسع. يضاف اليها وسائل التواصل الاجتماعي التي جمّعت شتات المتداولين الافراد واوجدت لهم قوة لم تكن لهم وهم فرادى. والاهم من هذا وذاك هو الشعور بالقوة العارمة الذي تشكل لدى هؤلاء الشبان المسكونين بمشاعر الغضب تجاه النظام المالي بل قل تجاه النظام السياسي والاقتصادي برمته.
الاراء انقسمت حيال تبعات ومآلات هذه الثورة. البعض يرى ان الامر لا يعدو ان يكون زوبعة في فنجان او سحابة صيف ما ان تلتقط المؤسسات الاستثمارية الضخمة انفاسها وتستعيد توازنها حتى تعود الاسواق الى سابق عهدها وتستعيد كفاءة السوق مكانتها التي اهتزت خلال الايام والاسابيع الماضية. البعض الاخر يرى ان ما يجري هو اعادة ترسيم لموازين القوى داخل الاسواق لصالح المستثمرين الافراد الذين سيصبح لهم دور اكبر في تحديد اتجاهات ومسارات الاسواق. واخرون اعتبروا ما يحدث مظهرا جديدا من مظاهر عدم العقلانية التي طالت العديد من الاصول المالية مثل اسهم شركات التكنولوجيا والعملة الافتراضية بيتكوين وادت الى تشكل فقاعات ما هي الا ان تنفجر وتهوي بالاسواق الى مستويات اكثر منطقية وانسجاما مع الظروف الاقتصادية.
ايا تكن اسباب الثورة ومبرراتها وايا تكن مآلاتها فان ما يجري اليوم في الاسواق هو امتداد لتيار الشعبوية الرافض للوضع القائم و الاخذ بالتنامي منذ الازمة العالمية. ونجاح هذا التيار يشكل تهديدا لكفاءة السوق ونزاهته وفعاليته. لذا فان الجهات والسلطات الناظمة للاسواق سوف تتحرك لكبح جماح هذا التيار وتطويقه قبل ان يتفشى ويستقطب المزيد من الانصار والمؤيدين، وهم كثر قادرون لو امتدت لهم اسباب النجاح ان يزعزعوا استقرار البناء المالي الامريكي. يكفي ان نتذكر بان رمز الشعبوية الاميريكية دونالد ترامب قد حصد حوالي ٧٠ مليون صوتا في الانتخابات الاخيرة التي خسر فيها.
السلطات في الولايات المتحدة مثل بالع السكين فهي من جهة لا تملك خيارا غير محاصرة هذا التيار الصاعد ولجمه لحماية نزاهة وصدقية وكفاءة السوق المالي، لكنها من الجهة الاخرى مضطرة للتعدي على حرية الافراد في التداول على نحو سيؤجج من مشاعر الحنق والغضب لدى ملايين المواطنين من الشعبويين الذين يشعرون بالاقصاء والتهميش.