يحق لعدنان العواملة أن يُذكر، ويُثبت اسمه في شارع لائق، أو مسرح أو مدرج، فرحيله، رحيل الكبير، المُكلل بمسيرة من الانجاز، والابداع والشغف الدائم بالارتقاء بالدراما والفن، أوصلَ صورة الأردن وتراثه للعالم، وجعل اسم المركز العربي للانتاج يدخل كل بيت عربي، فاثبت اسم الأردن في حقل الدراما، إثبات استحقاق لا إثبات منازعة.
لأبي طلال قصته التي كانت من صنع يديه، ومن تلاوين شريحة عريضة من أهل الفن ممن ارتبطوا به، مبدعاً قبل أن يكون منتجاً أو صاحب شركة، فكان وصفهم الدائم له أنه «مهني ومحترم». ويا لها من صفة نادرة في قطاع الانتاج الدرامي، فعدنان العوامله لم يكن يبخس الممثلين حقهم، ولم يكن يزاود على أجر احد. بل كان رجل انجاز وخلق ومودات.
لا أعرف شخصياً الراحل، ربما التقيته مرتين، بشكل سريع، بمعية نجله طلال، فلا أدّعي صداقته، بل كانت ثلاثة لقاءات أظن واحدة منها بحضور الاستاذ جميل عواد، في يوم كان مثلجا وباردا من عام 2007، لتحكيم أعمال أحيلت إليّ وهما هزيع الزاوبع الأخيرة للراحل جمال ناجي، ومشروع مسلسل عن تاريخ تأسيس دولة البحرين، وثالث عن قصي بن كلاب.
ليس هذا المهم، بل شخص ومسيرة الراحل هي المهمة، قصة الدوبلاج وافلام الكرتون التي مضت في ذاكرة جيل عريض، من أطفال الثمانينيات، ومنها: سالي، وقرية التوت، وصاحب الظل الطويل، وكاليميرو، وفتاة المراعي كاتولي، والحصان الفضي، وبلفرز، ونساء صغيرات، وحكايات قندس، والسيدة ملعقة، مغامرات سبانك، وبيرين. كل ذلك يعمق عدنان ومن عمل معه في طفولتنا اكثر.
ثم كان ولوج الدراما عبر شركة وطنية، استطاعت ان تقدم الأعمال الأهم في آخر اربعة عقود من تاريخ الدراما الأردنية والعربية، وما الفوز الذي حققه مسلسل «الاجتياح» بجائزة إيمي العالمية، ليكون العواملة المنتج العربي الأول الذي ينال مثل هذه الجائزة، وما هو إلّا توكيد على جدارة عدنان وفريقه ومؤسسته.
ليس عدنان فقيد أردني، ولا فقيد أهله وحسب، بل فقيد الثقافة العربية، وفقيد الذكرة والتاريخ المشع، تاريخ الحب مع نمر بن عدوان والسيادة مع بلقيس والغربة والاغتراب مع مالك بن الريب وحنينه إلى وطنه، وتاريخ الاجتياح والصمود.
نم يا عدنان، ولا يسعنا إلى أن نُذكر بقول الشاعر:
لَعَمرُكَ وَالمَنايا غالِباتٌ
وَما تُغني التَميماتُ الحِماما
أَرى الأَيّامَ لا تُبقي كَريماً
وَلا العُصمَ الأَوابِدَ وَالنَعاما
(الدستور)