رأي حول دستورية النصوص القانونية
أ. د. كامل السعيد
08-02-2021 06:36 PM
ماذا لو تراءى للقضاة ان النص القانوني الواجب التطبيق غير دستوري في الوقت الذي لم يتم فيه الدفع بعدم دستوريته؟
استهل مقالي هذا الذي قد يكون الاخير في سلسلة مقالاتي هذه التي تم نشرها في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والمتعلقة باختصاصات المحكمة الدستورية والمحاكم الاخرى بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتفسير النصوص الدستورية .
ويأتي هذا المقال استكمالا للمقال السابق والمتعلق بعدم جواز الاستناد الى القواعد العامة في قانون اصول المحاكمات المدنية لاحالة النزاعات الدستورية الى المحكمة الدستورية الا في حالة واحدة فقط تطبيقا لنص المادة ( 60/2)من الدستور، تتمثل هذه الحالة بقيام احد اطراف الدعوى بالدفع بعدم دستورية النص القانوني الواجب التطبيق على موضوع الدعوى وتحقق المحكمة بجدية الدفع . والسبب في عدم قيام المحاكم لدينا بالاحالة للمحكمة الدستورية الا في هذه الحالة يتمثل في ان المحكمة الدستورية لدينا ليست مختصة وحدها دون غيرها بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة تطبيقا لنص المادة (59/1) من الدستور خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للانظمة القانونية التي تجعل من المحاكم الدستورية مختصة دون غيرها بهذه الرقابة، وقد سبق لي ان اشرت الى عدد من هذه الانظمة في مقالات سابقة , فلا اعيد القول .
وعليه , فان الاستناد الى القواعد العامة في قانون الاصول لدينا لغاية الاحالة ان كان يشكل خرقا لحكم المادة (60/2) من الدستور لدينا , فانه على العكس من ذلك تماما يشكل امرا دستوريا في قوانين الدول التي تكون فيها المحاكم الدستورية مختصة دون غيرها بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح – اي الانظمة لدينات – وهي بهذه المثابة تشكل الوعاء الوحيد التي تُراكَم او تُجمع فيه النزاعات الدستورية لديها , بعبارة اخرى هي المرجعية الوحيدة لحسم النزاعات الدستورية.
وبناء على ما تقدم , فانه في الحالات التي لا يثار الدفع فيها بعدم دستورية النصوص القانونية الواجبة التطبيق على موضوع الدعوى , فانه يكون متعينا على القضاة التحقق من امرين , اولهما : التحقق من القانون الواجب التطبيق على موضوع الدعوى اذ قد لا يكون هذا القانون هو القانون الذي يطرحه اطراف الدعوى المنظورة او احدهم , فالقضاة هم الذين يحددون هذا القانون لا غيرهم . ثانيهما : التحقق من دستورية القانون الواجب التطبيق على موضوع الدعوى , لانه لا يجوز ان يصار الى تطبيق هذا القانون الا اذا كان دستوريا، ولا يملكون التعرض لدستورية او عدم دستورية القانون الا اذا كان هذا القانون هو الواجب التطبيق على موضوع الدعوى , فلا تمتد صلاحياتهم الى ما هو ابعد من ذلك .
لا مشكلة تثور اذا تراءى للقضاة دستورية هذا النص , ولكن المشكلة تثور اذا تراءى لهم عدم دستورية هذا النص ولم يقم احد اطراف الدعوى بالدفع بعدم دستوريته , فالمتوجب عليهم في هذه الحالة , التصدي لحسم هذه المسألة الدستورية , فالمحاكم لدينا تشكل الوعاء الاخر للرقابة على دستورية القوانين والانظمة وان تمثلت هذه الرقابة برقابة الامتناع عن تطبيق القوانين والانظمة غير الدستورية،
هذا هو مؤدى عدم انفراد المحكمة الدستورية لدينا بالرقابة على دستورية القوانين والانظة.
ملاحظة :مازلت آمل تسليط الضوء على هذه الموضوعات من قبل رجال القانون من قضاة ومحامين من خلال حوارات او ندوات خاصة.
لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا.
والله من وراء القصد
عميد كليتي الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
عضو محكمة التمييز سابقاً
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء والتشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية سابقاً