من الصعب عليك ان تصدق ان هذه المدينة التي كانت تنام مع الغروب، غدت تسهر حتى ساعات الصباح الاولى، ففي الوقت الذي يبدأ فيه المصلون يتوافدون على المسجد لاداء صلاة الفجر، تلمح آخرين فرغوا للتو من وداع ليلهم الصاخب، فهؤلاء يبدأون نهارا عامرا بالتقوى والعبادة، واولئك يقفلون عائدين مختتمين سهرات »عامرة« هي الاخرى ولكن ببضاعة مغايرة!عمان لم تعد مدينة بريئة، فهي تفتح ذراعيها لمساحات جديدة مدهشة في تسارعها واتساعها، تغص بوجوه غريبة متنوعة قادمة من بلاد بعيدة، باحثة عن باحثين لـ »سياحة« من نوع آخر، ينشدون حياة كانوا يقصدونها في مناطق اخرى من هذا العالم، غير ان تقلبات السياسة عدلت خريطة رحلات الصيف، فبدلا من ان ييمم طلاب خلع الاقنعة الداخلية والخارجية شطر الغرب، ها هم يبحثون عن بدائل مشرقية، ويبدو ان عمان بدأت تأخذ حصتها من مصطافي المتعة!
عمان تنضو ثوبها المحافظ وتتصابى، ربما في غفلة من حوزات تقليدية ينهمك روادها في امعان النظر في الفقه على المذاهب الاربعة، وفقه السياسة الشرعية وغير الشرعية، والفية ابن مالك وموطئه، ثمة حياة سلسة هادئة تنساب من تحت التبن، لا يكاد يشعر بها احد، قد تغرق البيت الضيق الذي لا يكاد يتسع لسكانه الكثر!
عمان.. تغير جلدها على نحو مدهش في سرعته، ومن أدمن الانغماس في حرث الطريق بين عمله ومنزله، يصاب بالدهشة حين »ينحرف« قليلا عن مساره اليومي لفرط التغير الذي طال المدينة، كان لها وجه واحد تقريبا، وها هي ترتدي آلاف الوجوه وتتزين ببهرج المدن الكبرى التي لها قيعان وقمم ظواهر وبواطن انها تعيد انتاج »سوهو« و»الحي اللاتيني« و»شارع الهرم« على نحو مختلف ووفق اشتراطات قاموس جديد »يراعي« الحرص على ثقافة العباءة السوداء التي تخفي تحتها اخر صيحة في عالم الازياء او قل ان شئت ثقافة الاقنعة التي تستلهم حالة بلاغية متأصلة في الشرق مقطرة في حكمة لغوية تقول: لكل مقام مقال!
عمان تتغير كثيرا وتنمو في احشائها مجتمعات وجزر »الشقق المفروشة« المعروضة للايجار بشكل يومي او اسبوعي او شهري او بعض يوم، ساعة او ساعتين! في كل مدينة ثمة ظاهر وباطن، لكن تجربة عمان تختلف قليلا فهي بريئة »او كانت!« اكثر مما ينبغي ولهذا فهي تدخل عالم »الخبث« متلعثمة متعثرة بثوبها الطويل!
al-asmar@maktoob.com