أحد المحركات الرئيسية لدخول المئوية الثانية
د. عبدالله حسين العزام
08-02-2021 01:08 AM
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مشروع إقتصادي تنموي يقوده أردنيون تحت مظلة ما يسمى "منتدى النهضة" يقال أنه ينتهج نهج حضاري واستراتيجيات فكرية تنموية جديدة و رؤية جادة و جريئة لم تكن موجودة مسبقاً و ترتكز على المعرفة كأساس للتنمية الشاملة.
كُثر الحديث عن المشروع و المنتدى و خصوصاً بين مختلف الفئات الإجتماعية، شدني للبحث و القراءة عنه في مقالات وآراء منشورة وتقارير عن أنشطة في أكثر من منصة عبر شبكة الأنترنت وعلى مدى سنوات، خصوصاً وأن الأردن عانى كثيرا من مشاريع الضياع المبنية على الأغراض الشخصية و الشعارات الفارغة التي كادت أن تؤدي بالإقتصاد الأردني للهلاك!.
و في وقت سابق أعلن وزير المالية أن ٢٠٢١ الأضيق ماليا، وعلى الجانب الآخر هناك 400 ألف شاب وشابة عاطلون العمل، فقر وبطالة وعزوف عن الزواج مما يمس الأمن القومي.
و بالمقابل ما يطرحه منتدى النهضة كمشروع وطني في ظل التحولات الدولية، يدخل ضمن المنطقي و الواقعي سيما و أنه يتبنى فكرة شعبية، تؤكد على أن العامل الذاتي داخل الدولة هو الأساس في تحقيق التنمية بمختلف أبعادها، رافضا الاعتقاد السائد في فكر بعض المسؤولين الأردنيين أن الدعم الخارجي سيعمل على إحداث نهضة و معالجة التشوهات في الإقتصاد الأردني و يصف ذاك الإعتقاد بأنه ضرب من الوهم و المراهقة الإقتصادية.
في واقع اليوم يواجه الأردن تحديات من مختلف النواحي الإقتصادية و الأمنية و السياسية، و من ينكر ذلك واهم، كما يواجه أخطار كبيرة منها الفكر المتطرف و الفقر و العوز و تزايد نسب البطالة بين الشباب علاوة على الكثير من القضايا الإجتماعية و الأسرية التي تحتاج التفكر و إيجاد الوسائل المختلفة لمعالجتها، ولا بد للإصلاح الإقتصادي أن يبدأ في التسارع بالخطوات و البحث عن التنمية في كافة مساراتها، كما يجب أن تتصدر اللوائح العمليات لنصل إلى طريق الإستقرار و مساهمين في تشييد البنيان.
البطالة وتزايد نسبها اليوم سببها قلة الفرص و الإمكانيات و التوجه نحو إيجاد برامج و فرص الريادة و الإبداع و المشاريع الصغيرة و فرص العمل التقني و المهني واجبة على الحكومة، و مسؤوليتها اليوم أكثر أن تصفق للحق و الجمال بعيداً عن ترحيل المشكلات و التحديات.
التنمية الإقتصادية هي ليست فقط بناء مدرسة في لواء الوسطية غرب مدينة إربد وليس ترميم شارع وسط العاصمة عمان، أو بناء بيوت بلاستيكية في مدينة المفرق، أو حتى بناء جسر للمشاة في محافظة معان، و إنما هي مشروع نهضوي سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي وطني شامل وكبير، يؤدي إلى تغيير نوعي في البنى الإجتماعية و الإقتصادية ولا يمكن أن يقوده أو أن يعمل عليه سوى أبناء البلد بمدنها وقراها وأريافها، ومن غير ذلك نبقى في دائرة الفقر والعوز و الحرمان، ندور في الحلقات الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حبيسين صندوق النقد الدولي و الدعم الخارجي و الحل الأول والأخير يكون عبر بوابة التنمية الأردنية الشاملة.
وتحقيق التنمية الشاملة تبدأ من الشعور بالمسؤولية و التأسيس للإبتكار والتطور الفكري و الثقافي و العلمي الإبداعي، و من أبرز عوامل النجاح الإلتفاف الشعبي من مختلف الشرائح الاجتماعية وهذا ما حققه منتدى النهضة ببثه للفكر النهضوي في محافظات المملكة عبر سنين مضن، فلماذا لا يتم تطبيقه و قراءة تفاصيله و مقترحاته سيما وانه يصب في مصلحة الدولة و الشعب في آن واحد.
رؤية منتدى النهضة جاءت لتترجم أوراق الملك النقاشية ومشروعه النهضوي، ولكن بطريقة تترجم طموح وأمل المواطن مقابل إستنطاق معاناته، تحت كلمة " خير يعم على الجميع"، و يؤكد أن الأردن بحد ذاته سوق إستهلاكي كبير و يستهلك بمليارات الدنانير مستوردات من الخارج، وهو قادر على تصنيعها وإنتاجها وتصديرها، ويلفت المشروع النظر للودائع الأردنية الجامدة في البنوك بعشرات المليارات دون إستثمارها وتشغيلها وطنيا، و في المقابل هناك مغتربون عرب وأردنيون ينتظرون ضخ أموالهم، ولكن يجب أن نبدأ بتحريك المياه الراكدة. ويؤكد منتدى النهضة على فكرة الإقتصاد التعاوني (صندوق الإستثمار الوطني والمغتربين) ويصفه بأنه عماد العملية، وكذلك المناداة "بمشروع الشعب للإنتاج"، وهو الأساس الذي إرتكز عليه وإنطلق منه فكر الإقتصاد التعاوني منذ عام ٢٠١٣.
وينادي كذلك المنتدى بإسناد الصناديق ورفدها بالملاءة المالية، بمساهمات حكومية بتمليك الصناديق أراضي ومشاريع المدينة الجديدة شرق عمان (والتي طابقت نموذج المنتدى مدينة المغتربين الذكية، والذي سبقها عام ٢٠١٧)، ومشاريع وادي عربة، وحق تطوير ومبيع الأراضي والفرص الإستثمارية لصالح الصندوق الوطني الإستثماري الأردني، وبمعايير شفافة رشيدة وعادلة/ وهذا وحسب المنتدى أمر يتعلق بالإرادة السياسية للبدء.
كما يدعو إلى إيجاد حاضنات الإبتكار المتخصصة والقرى العلمية الذكية ذاتية التشغيل في الجامعات لإسناد النهضة بالإبتكار والتطوير، علاوة على دعم صناعاتنا الوطنية وتمكينها بالطاقة المتجددة والمياه المجانية بالإضافة لتطوير المنتج بالبحث العلمي، كذلك رفع الجمارك تدريجيا على كل السلع المستوردة (من خارج إتفاقيات التبادل التجاري الدولية) والتي يوجد لها بدائل وطنية، وصولا لوقف إستيرادها مقابل تحسين جودة ونوعية منتجاتنا بالبحث العلمي ووصف ذلك بأنه يتعلق بالإرادة السياسية للبدء.
وأكد المنتدى إن المشروع سيكون تحت ماكينة تواصل إجتماعي وطنية مهنية هادفة بناءة تنتقد وتقيم وتؤدي للتقويم (أردنبوك)... وتجمعنا جميعا بدلا من التشاؤم والسوداوية، نحو فكر إيجابي لمتابعة مراحل إنجاز مشروعنا النهضوي الوطني، علاوة على ضمان أمن الطاقة والمياه بإستراتيجيات زمنية تستديم التنمية والإنتاج ورفاه السكان، و تطبيق معايير الإقتصاد الأخضر لضمان الإستدامة وصحة السكان و التوجه لمخططات المدن الذكية والقابلة للحياة والداعمة للتنمية.
ويتحدث المشروع النهضوي بصفة مشروع جمعي يوحد الكل نحو العمل والانتاج، من خلال محافظات منتجة بمحركات تنموية حسب ميزة كل محافظة، و بحث خارطة طريق تنمية كل محافظة وفرصها الإستثمارية، كما يقترح مشروع المنتدى العديد من المحركات التنموية للمحافظات: ففي عمان يقترح بدء المدينة الذكية شرق عمان و في إربد بناء مدينة لتطوير صناعات النانوتكنولوجي والذكاء الإصطناعي و في العقبة تطوير شمال العقبة/مدن صناعية إنتاجية، سياحية، إسكانية و طاقة متجددة ومياه محلاة، و في معان استحداث مطار تنموي سياحي و ميناء بري وبالمفرق قاعدة لوجستية فنية لإعادة إعمار سوريا والعراق، و بالكرك والطفيلة مدن صناعات الأمن الغذائي، وفي مادبا إنشاء مشروع مدينة التاريخ و بوابة المدن التاريخية، وفي الزرقاء تمكين الصناعات القائمة حاليا بالطاقة المجانية والتدريب ومجانية معالجة المياه العادمة، وبالبلقاء مدينة صناعة البرمجيات وتكنولوجيا الإتصالات، و في جرش وعجلون صناعات الإقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، وبالبادية مشاريع وقواعد الأمن الغذائي الزراعي وإنتاج الثروة الحيوانية، ويكون التمويل للمشاريع أعلاه من الصناديق الإستثمارية بعد أن تسندها الحكومة.
وفي ظل معطيات المشروع فإن ذلك بكل تأكيد سينتج نهضة عمرانية إستثمارية وطنية شاملة تنعش الأسواق والسيولة، وتستقطب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، وينتج عنها مشاريع رأسمالية وخدمية وصناعية وزراعية وتجارية وأعمال ومشاريع تكنولوجيا رقمية معلوماتية فكرية إبتكارية، تشغل الجميع... وترتقي بالوطن وتعزز أمنه القومي، وتحقق ورفاه المواطن، وتزيد من الرضا العام بعكس حالة السوداوية والتشاؤم التي نعيشها اليوم.
أخيراً المشروع بكل مؤشراته يترجم ما جاء بالأوراق النقاشية الملكية. لماذا لا تعمل حكومة دولة بشر الخصاونة على تنفيذه أو على الأقل تأسيس صندوق الإستثمار الوطني والمغتربين، لدعم الإقتصادي الوطني.