المعلومات التي تسربت سابقا، حول نية رئيس الوزراء، إجراء تعديل وزاري كانت صحيحة، بل أن مصدرها كان موثوقا، والرئيس ذاته كان يتحدث لمن حوله، حول هذا التوجه.
عادت المعلومات، وتغيرت، والكلام أصبح عن تعديل وزاري مؤجل، وحين تتراشق عمان بالتساؤلات حول سبب تأجيل التعديل، تتسرب المعلومات مجددا، حول ان الرئيس يريد أن يكفي حكومته شر القيل والقال، لماذا خرج هذا الوزير، وبقي ذاك الوزير، خصوصا، أن لا احد في الأردن، يرضى على كل شيء، اذ إن أي قرار، تجد من يؤيده ومن يرفضه، وهذا تعبير ديمقراطي، عن المشهد، وان كان أحيانا يؤشر على انقسام في الرأي العام.
في كل الأحوال لا بد ان يشار الى عدة حقائق، أولها ان استصلاح الوزراء، حق من حقوق الرئيس، فقد يكون قادرا، على التكيف مع بعض الوزراء الذين كانوا قيد الخروج، وقد يغيرون من ممارساتهم المهنية، او تصرفاتهم الشخصية، تحت وطأة ملاحظات الرئيس، او جهات ثانية، وقد يواصلون ذات الطريقة، ومنحهم فرصة لإثبات جدارتهم، وهو أمر ليس سلبيا، وان كان الوضع في الداخل الأردني، لا يحتمل منح فرص، في توقيت حساس.
من جهة ثانية، فإن الرأي العام في الأردن، بات يتسم بعدة صفات، سواء في عهد هذه الحكومة، او سابقتها، او لاحقتها، فهو رأي عام متوتر، شديد النقد، لا يصفح ولا يسامح، وينتظر الكثير، ولا يتوقع الكثير، أيضا، وهو رأي عام يعتبر الموقع الرسمي، بكل مستوياته، مجرد منفعة لهذا او ذاك، وهو أيضا يشعر باليأس بسبب ظروفه، وفي حالات كثيرة لا يبالي بمن يأتي او يخرج، الا من باب الفضول، او قراءة معادلات الدخول والخروج.
امام ضغط الرأي العام، يلجأ رؤساء حكومات أحيانا، الى تخفيف النقد، عبر اخراج وزراء يتسببون بأزمات، او لا ينسجمون مع الفريق الوزاري او يفشلون في مهماتهم او يخضعون لعمليات تجميل، او مناقلات من حقيبة الى ثانية، وهنا يكون التعديل الوزاري، وظيفياً، من اجل تخفيف الاحتقان، ومنح أي حكومة موجودة الوقت، لتجديد دمها، وهذا يعد من أفشل أنواع التعديل الوزاري، وكثيرا، ما تسبب للحكومات بضجيج، كونه ثبت أنه تعديل شكلي، لتحريك المياه الراكدة، والتخلص من الازمات الصغيرة والكبيرة، وقد وقعت به حكومات سابقة، مرارا، تحت وطأة الصخب خارج الرئاسة في الدوار الرابع.
هذا يعني بالمحصلة، ان التعديل الوزاري، على أي حكومة يجب ألا يكون وظيفياً، وله غاية امتصاص التوتر او النقمة، بعد ان ثبت ان التوتر والنقمة، يرتفعان بعد كل تعديل وزاري، ولا يتراجعان، وربما التقط الرئيس الحالي، هذه العقدة، وأراد ان يفكها بطريقة مختلفة، عبر عدم اجراء تعديل وزاري، باعتبار ان هذا اقل كلفة، من اجراء تعديل وزاري، وعدم القدرة على تبريره او الدفاع عنه، امام رأي عام، يقدح قدحا، صباح مساء.
الخلاصة هنا تقول، ان الخضوع لكل هذه العوامل يعرقل الأداء، أيضا، لأننا امام مقاربات بين الكلف فقط، ولا بد ان يخضع التعديل، أياً كان توقيته، لتقييمات دقيقة، حول أداء كل وزير، وأن يخضع تكليف وزراء جدد، لتقييمات عميقة جدا، لا تؤدي الى موجة توتر مرتدة في الرأي العام في الأردن، وهذا يقودنا الى ان تبرير التعديل الوزاري، او تأجيله، يجب ان يرتبط بأمر واحد فقط، وهو اقل كلفة، أي هل نجح هذا الوزير، او لا، وما هي شرعية بديله، من حيث الخبرة، وقدرته على ان يكون فاعلا.
في حكومات سابقة، كان اللجوء الى التعديل الوزاري تعبيرا عن رغبة من أي رئيس بتأكيد حصوله على ضوء أخضر، وانه تحت الحماية والرعاية، وفي حالات كان التعديل يجري تحت وطأة سخط الرأي العام من هذا او ذاك، وأحيانا كان يظن بعض الرؤساء ان التعديل يطيل عمر طويل العمر، لكننا نرى اليوم بكل بساطة، ان تأجيل التعديل، وهو حق للرئيس، يجب ان يترافق مع قدرة كبيرة، على اثبات ان مبدأ استصلاح الوزراء، امر له نتيجة، اذ كثيرا، ما يكون صب الماء العذب، على ارض مالحة، مضيعة للوقت، وليس استصلاحا زراعيا، والحنكة هنا، تكمن في معرفة الفرق في التواقيت، والدوافع، وردود الفعل المتوقعة.
الغد