"أغنيات لليوم التالي" .. للشاعر العراقي صفاء سالم إسكندر
07-02-2021 06:02 PM
عمون - يستكشف الشاعر العراقي صفاء سالم إسكندر، الفوارق الشعورية والتأملية لدى الإنسان، في احتكاكه الدائم بعناصر الطبيعة، محاولا وضع تأملات عن الميكانيزم التي تمضي بها رحلة البشر مع العالم، من خلال العزلة تارة، والانغماس تارة أخرى، ذلك في مجموعته الشعرية ”أغنيات لليوم التالي“، الصادرة عن دار النهضة العربية 2021.
في نصوصه، إسكندر دائم البحث عن حل للغز العلاقة بين الإنسان والوجود، فتبدو نصوصه المحملة بالصور المهمشة المنسية المجمعة بعناية من جنبات العالم، كتلة من المتاعب والمؤرقات، متشكلة على هيئة كلمات ومشاعر وأصوات، وبالكاد تكفي لمسح الأسئلة عن جسده مثل غبار متراكم، إذ يضع كينونة المرء في مثار البحث والتأمل، كبناء هيولي أكبر من بنيان العالم، ويفتح الباب للمقارنة بين مربعات البنائين. ويعبر إسكندر طريقه نحو مجموعته الشعرية بتساؤل فريد الدين العطار: ”إذا كنت الكل، فما هو العالم؟“.
وعن طريقة العرض عند الشاعر، فهو منشغل بصوت الأحاسيس مهما صغرت، وتبدو جملته الشعرية متناوبة بين التكثيف والسرد، حسبما تطلبت البرهة لديه. والحالة الشعورية في نصه مترابطة، إذ يتميز بوحدة الموضوع، ومتابعة طرح تفاصيل اللحظة، إلى نهاية النص.
ويبدو الشاعر في مجموعته هذه، أكثر واقعية وتشبعا بشراب العالم الأسود، من مجموعته الأولى ”تنغيم سيرة الوردة“، حيث وعلى الرغم من غلبة الحزن على نصه وقتها، إلا أنه كان يجد في الطبيعة مرسى لأفكاره، وهذا ما ينفيه الآن في مجموعته الجديدة.
ويستخدم إسكندر في العديد من نصوصه الجمل الطويلة، التي تكون بحاجة إلى تركيز كبير وربط فيما قبل، وبعد، للوصول لتأويل مكتمل يجاري نصوصه التي تراوحت ما بين القصر والطول في البنيان، وجاءت في 46 صفحة من القطع المتوسط.
فيما ينجح إسكندر في أن يجعل من قداسة الشعر جزءا تشاركيا بين الحياة والموت، إذ يحتفي بما يبقى من الإنسان بعد رحيله من ذكريات ومواقف منتهية، تبقى ذيولها تصنع الحياة، وينادي إسكندر بصوت الماغوط الشعري ويكتب: ”خذني إليها/قصيدة غرام/أو طعنة خنجر“.
إخوة الشعر
كما يتجسد في طرح إسكندر الوفاء لإخوة الشعر، حتى وإن بعدت المسافات، حتى وإن غلب الجسد، فالشعر قادر على تقريب أبنائه. فيؤكد إسكندر على حضور الشاعر اللبناني بسام حجار إلى جوقته الشعرية، بتجريد التعب من ضجيجه، واستعادة صمته المسروق إلى مكان بعيد: ”ربما حلمت فبكيت/ حتى لا ينزل كل شيء من رأسي مرة واحدة/ لكن الدموع المُرة لا تشرح سرا/ ورجوت في قلبي/ أن يؤلف بسام حجار صمتا آخر لحضوره/ لأن إحداهن سرقت هذا الصمت من قصائده/ إلى مكان بعيد“.
انقلاب الحظ
كما ويصنع الشاعر حديثا ميلودراميا بين العالم والوردة، على عكس ما كان سابقا بين بدر شاكر السياب وحياته، فظل إسكندر معتمدا على قاعدة انقلاب الحظ بين العالمين، الموت والحياة: ”هنالك تبادل للأدوار في الحظ/ عندما نصل إلى العالم الآخر/ خبر مثل هذا جعلني أفكر/ أن الوردة تموت مثل السياب“. أيضا، يحاور سركون بولص في محاولة وضع اسم للحب، باتساع مفردته، وغرابته كقصص المطر.
فيما يحتفي الشاعر العراقي بالفنانة الجزائرية وردة، مظهرا أثر صوتها المذهل على الجسد، ومتسائلا باستغراب عما يحدث في طين الجسد جراء التعرض لموجات صوتية محملة بالقداسة: ”هل تشقق جلدي وأنا أسمعك كل مرة يا وردة الجزائرية؟“.
اختفاء
أما عن جدوانية الفن في هذا العالم، فيرى إسكندر بأن صوت الفن والشعر أدنى بكثير من الضجيج الذي تحدثه الأحداث الأخرى المسهمة في صياغة الواقع، ويعزو حيرة الإنسان في فهم الحياة، إلى اعتقاده بأن الفن بإمكانه إنقاذ الحياة وجعل الحياة حالة يمكن التأقلم معها، حيث يقول: ”حتى الموسيقى لا تصنع السلام/ لماذا جئنا إلى هنا؟!“.
كما ويتطرق إسكندر إلى ماهية الحياة، في ميل الأشياء المستمر إلى الانتهاء والتنحي عن الظهور على المنصة، متناولا إياها بحسه الفلسفي، وطريقة عرضه المشبعة بالتأويل، مستندا إلى مراقبة مستمرة لما تؤول إليه الإطارات في الطبيعة من التحلل والاختفاء، يكتب الشاعر: ”أخفِ شغفك/خطوة خطوة سيرحل الورد إلى ذبوله/ وتموت سعادة العشب“.
دوائر متشابكة
فيما ينغمس إسكندر بمشاعر الرهبة من تسلسلية الحياة، موضحا سطوة تمثيل المكونات في العالم لنفسها على حساب الإنسان، تلك الدوائر المتشابكة والمتقاطعة، في وعي الإنسان، تفرض عليه الإحساس بالذعر، مثل قط مطرود من جنته، يقول الشاعر في نص ”في هذا الطرف ظل واحد“:
”أشياء كثيرة
لها ظل الخوف،
توهجت في قلبي
وكبرت،
هذا لأني لم أعتد العيش بصيغة الغياب.
حدث ذلك،
عندما فرك أحدهم اسمي من عينيه،
حتى لا يشعر باتساعي أكثر،
إلى هذه الصدفة والنوايا.
بصقتني الحياة بشكل مخيف،
ضاعف ذلك حدتي،
ولم أعد أتذكر شكل الليلة
التي لها مناخات الحلم الصافية،
والتي لا تموت.
كلما أطلت السهر
باركتني الجدران بالذعر“.(ارم نيوز)