الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي كانت مليئة بالقلق والإثارة لكننا لم نتوقع أن يداهمنا الوباء بالصورة التي أصبحنا عليها. في تلك الأيام كنا نتابع عن بعد أخبار اكتشاف وتفشي الوباء في الصين ونحن منقسمون بين مصدق ومشكك في صحة الأنباء.
بصورة عامة كان الشعور العام أن الخطر بعيد وأن بمقدور العالم محاصرة الوباء في مهده. حتى الولايات المتحدة وبعض بلدان العالم الأخرى نظروا للوباء على أنه مسألة تخص الصين فاستمرت الحياة بإيقاع عادي مع قليل من الحذر. تغيير التصنيف الذي اعتمدته منظمة الصحة العالمية من وباء إلى جائحة أخذ بعض الوقت وجاء بعد دراسة ورصد ومقارنة.
الأردن كان في طليعة الدول التي تابعت الأنباء واستجابت لتطور الأوضاع حيث عملت الحكومة على إرسال طائرة خاصة لإخلاء الطلاب والرعايا الأردنيين من يوهان وأعطت الانطباع بانها الأكثر يقظة وحرصا والأسرع استجابة والأكثر إدراكا لخطورة الوباء الأمر الذي أكسب الحكومة الكثير من التقدير والاهتمام والثقة وأنعش الروح المعنوية للمواطن وحسن من صورة الدولة في الداخل والخارج .
اليوم وبعد مرور أقل من عام على اكتشاف حالة الإصابة الأولى يستذكر الناس مشاهد الرصد والتتبع والإعداد للشخص المصاب والاستجابات التي قامت بها الأجهزة في الأيام الأولى لإعلان حالة الطوارئ وبدء إجراءات الاستقبال والحجر للعائدين إلى الأردن في فنادق ومنتجعات البحر الميت.
المؤسف بحق ان النجاحات التي تحققت في الأيام والأشهر الأولى لم تستمر بل تفاقم الوضع بشكل درامي وازداد سوءا بعد سلسلة من الإجراءات المتضاربة بين الإغلاق والانفتاح والحجر الطوعي والالزامي وتردي مستوى الرقابة والتدقيق على النقاط الحدودية واستمرار البعض في الاستهتار بأرواح وسلامة الناس من خلال اصرارهم على اقامة الاحتفالات والدعوات وبيوت العزاء والجاهات وغيرها.
في أقل من عشرة شهور تجاوز عدد الإصابات في الأردن أربعة أضعاف الإصابات التي سجلتها الصين وقفزت أعداد الوفيات إلى ما يزيد على 4300 وفاة وجرى التراجع عن كل الإنجازات التي تحققت في بداية انتشار الجائحة.
المستغرب اليوم استمرار اتخاذ الحكومات لقرارات لا تستند على معايير وأسس واضحة ولدرجة تثير الكثير من التساؤلات ففي الوقت الذي كانت فيه الإصابات أدنى من عشر حالات اغلقت البلاد وعطلت المدارس واوقفت الرحلات الجوية وطبق نظام الحظر الشامل.
على الجانب الآخر تتجاهل مؤسساتنا المعطيات والوقائع الجديدة وبشكل يتعارض مع ما تقوم به معظم دول العالم من إغلاقات شاملة وتعطيل بسبب سوء الوضع الوبائي وظهور تحولات جديدة في الفيروس واحتمالية تأثيره على الأطفال.
العامل الذي يستدعي التساؤل يتعلق بنية مؤسساتنا تعديل سياسات الحماية التي تبنتها قبل ان تحدث تغييرا كافيا في مستوى تحصين الناس ضد العدوى فنسبة توزيع المطعوم قليلة جدا ولا تذكر مقارنة مع بلدان الجوار والبعض ممن تلقوا الجرعة الأولى ينتظرون الثانية وأعداد الإصابات ونسب الإصابات مرتفعة.
صحيح ان الناس بحاجة إلى وسائل الكسب وصحيح ان من غير المعقول ابقاء القطاعات الاقتصادية مغلقة لكن المدهش ان نعيد الطلبة إلى المدارس بالتزامن مع تداول بيانات وأدلة على أن التحور الجديد للوباء يفتك بالأطفال وحديث قيادتنا التربوية ما يزال يشير إلى نجاحنا في إدارة برامج التعليم عن بعد.
الغد