كل أسبوع أو شهر، تسمع قصة جديدة، عدد من المواطنين يعتدون على أطباء، او مستشفى، يحطمون الأجهزة، ويتطاولون على غيرهم، والقصة نراها أحيانا في المدارس، فالمدرس أيضا قد يتم ضربه، او حرق سيارته، او يتم رجم المدرسة بالحجارة، كما حدث قبل سنين.
إذا سألت البعض قالوا لك، ان المواطن لا يلام، فقد يكون قد تعرض الى إساءة معاملة، او نقص في الخدمات، او تعرض احد اقاربه الى تأخر في الإسعاف في مستشفى هنا او هناك، فيتم التعبير عن الغضب بهذه الطريقة، وآخرون يقولون لك ان المدرس يستحق الضرب، فقد اعتدى على حفيد نابليون في المدرسة، ونهره بكلام جاف، او هدده بالضرب.
هذا يعني ان كل سلوك مخالف للقانون، يتم تبريره، وبدلا من ادانة هذه التصرفات، تسمع من يتفهم ردود الفعل هذه، هذا على الرغم من كونها تصرفات غير أخلاقية، بكل المعاني.
الشعب الذي يتفاخر بكونه الأكثر تعليما في شرق المتوسط، يضرب الطبيب، ويحطم الأجهزة الطبية، ويضرب المدرس، ويرجم المدرسة، واذا كانت هذه سلوكيات قليلة، او نادرة الحدوث، الا انها غير مبررة، وغير مقبولة.
المستشفيات الحكومية تتعرض الى ضغط هائل أساسا، وخصوصا، هذه الأيام، وتحتار في ذلك الذي امتلك الجرأة على ضرب طبيب او ممرض، او تكسير جهاز طبي، وكأنه في غابة متوحشة، لا يخشى أحدا، بل تسمع ان بعض من يفعلون ذلك يتفاخرون بعدم خشيتهم من القانون، او حتى استعدادهم لدفع الكلفة، ما دام قد انتقموا لعزيز عليهم، بهذه الطريقة المؤسفة.
المدارس ومنذ ان تم منع العقاب بشتى انواعه، شهدت ولادة أجيال متنمرة، لا تحترم غيرها، والذي يرى طبيعة طلبة المدارس الحكومية، يدرك ان المدارس لا تربي، ولا الأهل يربون أيضا، واذا حدثت طالبا منتفخا في مدرسة حكومية، تقرأ على وجهه شخصية جديدة، تنمر، على عدم احترام، على قلة تحصيل علمي، على جراءة تقترب من البلادة وعدم التركيز.
اذا كنا في 2021، وهناك بيننا من يظن انه فوق الدولة، وفوق القانون، وفوق الناس، أيضا، وان لا احد يردعه، فلا تعرف ما هو الحل، هل يراد ان نضع ثلة من رجال الشرطة، عند كل مستشفى او مدرسة، او نغير القوانين، ام يراد إفهام الناس، ما لهم، وما عليهم.
تعجب من ذات هؤلاء، فهم لو كانوا يغتربون في بلد عربي أو اجنبي، لامتثلوا للقوانين، ولما وجدت فيهم أحدا لديه الجرأة على رمي سيجارة من شباك السيارة، ولا الرمش بوجه شرطي.
هذا يعني كله، ان حالة الانفلات الاجتماعية، والتطاول، وتنمر الكل على الكل، بحاجة الى وقفة، بدلا من الحلول الوسطى، ودخول من يتوسط، في هكذا قصص، فوق العقوبات غير الرادعة، والذين يحدثونك عن هيبة الدولة، يظنون انها تكمن فقط، في توقف المواطن بشكل طوعي، للشرطي الذي يريد مخالفة سيارته، لكنهم يتعامون عنها فيما هو اهم، أي نظرة الانسان الى الدولة، وفهمه لدورها، او هيبتها، او قوانينها، او ارادتها السياسية.
الدولة التي يتم مس مكانتها، هي قبل كل شيء، المواطن فيها، ثم القوانين والمؤسسات، والكل هنا يمثلون، معا، الدولة، لكن الفرد، او المجموع، لا يحق له ان يبقى اسيرا للفكرة التي تقول انا فوق الدولة، لأن من يعتدي على المستشفى او المدرسة، لا يهين كائنا جامدا، بل يهين نفسه أولا، بما يفعله، كونه مكون الدولة، ولأجلها تعمل على ما يفترض.
ربما يقال ان هذه حوادث فردية، او هناك أفعال من جانب المستشفيات او المدارس او جهات ثانية تؤدي الى رد الفعل هذا، وتدفق الغضب، دون حسابات، وهذا امر صحيح، فلسنا نبرئ أي طرف آخر، لكننا في الوقت ذاته، يجب ان نتفق على ان الاعتداءات على الكوادر الطبية او التعليمية، وغيرهم من كوادر في مؤسسات ثانية، امر يعبر عن انفلات اجتماعي، نراه أيضا في حوادث اطلاق النار، ومخالفة تعليمات الحظر، وفي عشرات القضايا.
هيبة الدولة، ليست بكشرة المسؤول، ولا تجهم الوزير، ولا القسوة على الناس، هيبة الدولة تكمن أولا وأخيرا بالعدالة أولا ثم سد الثغرات لمنع الغضب، ومساءلة من يتجاوز حدوده.
أين كنا وأين أصبحنا…هذا هو السؤال؟.
(الغد)