الإصلاح السياسي في الأردن مطلب ملكي متكرر ورغبة شعبية متجددة، ومع ذلك لم تتمكن المؤسسات ذات العلاقة من إنتاج قوانين توافقية يرضى عنها الغالبية وتحسن اقبال المواطنين على الترشح والاقتراع. في الانتخابات التي اجريت خلال العقود الماضية كانت القوانين تتغير بمتوالية يصعب رصدها، لكنها تصاغ بمعادلات وحسابات لا يفهم الناخب اسبابها ولا مبرراتها فتارة تظهر القوائم الوطنية واخرى تستخدم القوائم الالزامية والوهمية وغيرها من الترتيبات التي تضع الجميع في حيرة وتأتي بنتائج تغضب غالبية ابناء الدوائر وتعمق الشرخ المجتمعي وتدخل الجميع في شكوك واستفسارات وتخمينات لا تنتهي.
حتى اليوم ومع دخول الدولة مئويتها الثانية لم تتمكن البلاد من اصدار قوانين توافقية تسهم في تطوير الاحزاب والحياة السياسية وصولا الى مشاركة واسعة للمواطنين تؤدي الى تطوير العلاقة بين الناس وممثليهم وتعزز الثقة بين الدولة والمواطن.
بالرغم من التعديلات التي تجري على البنى المؤسسية واستحداث المزيد منها كالمحكمة الدستورية والهيئة المستقلة ووزارة للشؤون السياسية الا ان الامور لم تتغير على الارض فقد بات الناس اقل قناعة بالعمليات الانتخابية واكثر تشكيكا بنتائجها واصبحت التفاعلات السابقة على الانتخابات والمصاحبة لها مختبرا يعكس ما آلت إليه الاوضاع. ففي كل مرة تجرى فيها الانتخابات يزداد الحديث عن المترشح المدعوم والمال السياسي والرئيس القادم للمجلس والاشخاص غير المرغوب في نجاحهم ومع ذلك ما يزال الاردنيون عازفين عن تأسيس احزاب برامجية يجري الانضواء تحت مظلاتها وتجري المنافسة في ضوء البرامج التي تطرحها.
الاسباب التي يبديها الجميع لغياب الاحزاب الفاعلة متباينة ولا تقنع احدا فمن جانب يعزو البعض ضعف الأحزاب الى عدم وجود برامج فاعلة وقلة ايمان مؤسسيها وقياداتها بالمشاركة السياسية واستحواذهم وهيمنتهم على ادارة الحزب والتوجه باللوم نحو الدولة ومؤسساتها.
بالمقابل ترى قيادات الاحزاب نفسها كتنظيمات غير مرغوب في وجودها بالرغم من الخطاب العلني الداعي الى تطويرها وفعاليتها ويعتبر البعض ان النظرة للاحزاب وعملها محكوم بتاريخ العلاقة التي سادت بينها وبين الدولة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي خصوصا وان الكثير من الاحزاب القائمة تحمل مسميات وايديولوجيات لا تختلف كثيرا عن الاسماء والايديولوجيات التي حملتها في تلك المرحلة.
من ضمن المهام التي اوكلت لوزارة التنمية السياسية عند استحداثها في مطلع الألفية الثالثة العمل على توسيع دائرة المشاركة السياسية واقتراح الاطر والتشريعات لتطوير الاحزاب واتاحة الفرص لمزيد من مشاركة الفئات الاقل حضورا في المشهد السياسي كالمرأة والشباب والاشخاص ذوي الاعاقات. منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم اتخذت خطوات متنوعة تارة بهذا الاتجاه واخرى باتجاه تكريس الموجود.
اليوم وبعد كل هذه المحاولات ما يزال الوضع العام للمشاركة ادنى من المتوقع بكثير. في الانتخابات البرلمانية الاخيرة لم يشارك 71 % من الاردنيين بالرغم من مرور البلاد بأزمات مركبة تستدعي حرص المواطن ومشاركته في اختيار من يمثله. اقبال الاعداد الكبيرة على الترشح دون توفر الدراية او التعليم او الخبرة او حتى الخوف من المساءلة والرقابة الاعلامية يوحي بأن البعض ينظر للترشح بطريقة لا تختلف كثيرا عن المشاركة في سحب ورقة اليانصيب. لا أظن ان تنافس اكثر من 12 شخصا على كل مقعد مطروح يشي بغير ان المعايير التي تحكم الترشح والاختيار اصبحت مفقودة او متحورة.
من حق الاردنيين والوطن والامة اليوم وبعد دخول دولتهم مئويتها الثانية ان يشاركوا في صناعة المستقبل من خلال مجالس منتخبة يترشح لها الأقدر والانسب وهذا المطلب يحتاج الى اكثر من تبديل نص هنا او تعديل فقرة هناك. الاصلاح المأمول يتطلب تغيير في الفلسفة والنظرة والمفاهيم والادوار لا بل العودة الى الفلسفة والمظرة والمفاهيم التي بني عليها دستور العام 1952، فمن غير المعقول ان يجد الكثير من الاشخاص انفسهم ينهضون بمسؤولية التشريع والرقابة دون ان يكون لديهم الخبرة او التعليم او الاهتمام الكافي بالشأن العام او النزاهة التي تفصل بين المصالح الفردية وشهوة الثروة والاضواء عن مصالح الامة التي تحتاج الى الايثار ونكران الذات وقوة الحجة والرؤية اللازمة للنهوض.
(الغد)