يستخدم لفظ الفيل الأبيض على سبيل المجاز في ميدان الاقتصاد لغايات توصيف مشاريع غير مجدية أو لم تكتمل، ونستعير هذا الإصطلاح هنا للتحذير من عمليّة إصلاحٍ سياسيّ تجميليّة تعتني بالشّكل على حساب المضمون.
وليس في هذا تشكيك أو إتّهام لأيّ طرف معنيّ بالتنمية السياسية، لكنّ أي مسيرة إصلاحية تصطدم بزوايا ثلاث تعيق هدفها المنشود.
الأولى حالة اليأس المسيطرة على السّواد الأعظم ممّن استسلموا للوضع القائم وأدوات السيطرة النخبوية، والثانية إحكام أصحاب النفوذ السياسيّ سيطرتهم وعدم تقبّل معظمهم لأيّ تغيير يبدّل قواعد اللِّعبة وأدوات التحكم لما لها من إنعكاس على المكتسبات والمواريث الخاصة، أما الثالث فهو الطموحات المشروعة التي لا تمتلك خبرة سياسية حقيقيّة فلا تتقن سوى المعارضة والاعتراض أي أنها لا تحسن التعامل مع السلطة كجزء منها أو شريك فيها.
وإزاء ذلك المثلّث الذي توصل زواياه الثلاث المتنافرة للنتيجة ذاتها في مقاومة التغيير والحفاظ على الوضع القائم، يلزم ممارسة الكثير من العصف الذهنيّ وإطلاق العنان للجهود كي تشخّص الحالة الوطنية بدقّة متناهية وموضوعيّة كاملة، فذلك أوّل العلاج وأساس التطوير.
وعليه؛ لا نريد أن نغرق في شكليّات الخطاب السياسيّ ونكثر من الفعاليات التي تخاطب الجمهور لحثّه على المشاركة فقط، ولا نحتاج مجدّداً أن تحدد فئة أسس وتفصيلات القادم عبر استراتيجيّات قد لا تتواءم مع الخصوصية الأردنية كما سبق، بل إنّ نقطة الإنطلاق هنا هي الميدان أو الشارع بعبارة أدقّ، وواجب السُّلُطات والمؤسسات هو الإستماع للملاحظات وتبويبها والاشتباك إيجاباً مع أصحابها والمشاركة في وضع الحلول الناجعة لها، أي أننا نتحدث عن دور رسميٍّ جديد مختلف كلّيّاً عمّا هو تقليديّ وهنا بيت القصيد.
فأهمّ عوامل نجاح التغيير المنشود تتمثّل في مراجعة الماكنة الرسمية لأدواتها وخبراتها، لأنّ التغيير لا يُصنع بذات الأدوات والعقول التي أوكِل لها التعاطي مع المسألة في الظروف الطبيعية، بل لكلّ معادلة معطيات ووسائل لا يتغيّر الناتج إلّا بتغييرها.
خلاصة القول، لا نريد أن نبدأ حواراً مجزوءاً لا يعتني بالتفاصيل الكُليّة، وليس المرجوّ أن نخلق تغييراً شكليّاً قد يفاقم حالة اليأس ويُبقي بالمحصّلة على ما هو موجود، فالفيل الأبيض الذي يستغرق صنعه الكثير من الوقت والجهد بلا قيمة مضافة هو خسارة وطنيّة وفرصة قد لا تسمح الظروف بتكرارها قريباً، وليس ذلك ما يريده الملك والشعب.
والله من وراء القصد
(الرأي)