الطفولة في خطر ما لم نتدارك
سارة طالب السهيل
04-02-2021 11:56 AM
الطفل العربي يمثل ركن أصيل في اهتماماتي الشخصية والعملية، لانه يمثل المستقبل كله، ورعايته هو رعاية وأمان وازدهار لمستقبل عالمنا العربي .
ولكن للاسف فان الطفل العربي في عالمنا المعاصر يواجه تحديات شديدة القسوة لا يتحملها قلبه الصغير نتيجة تعرضه لانواع فتاكة من العنف المنزلي والمدرسي والمجتمعي والفضائي منها فالمشكلات العائلية تؤثر سلبيا على الطفل، خاصة في حالات الزواج الفاشل حيث يشعر الطفل بالضياع، ويتعرض للتعنيف من جانب أمه أو أبيه.
كما يتعرض الاطفال لأنواع من العنف النفسي، مثل الصراخ، والقسوة اللفظية، والكلامية، والتهديد عند التعامل مع الطفل، كما يتعرض لاشكال عديدة من العنف الجسدي، مثل الضرب القاسٍ والمبرح، والتعذيب باستخدام أدواتٍ مختلفةٍ محدثةً له آلاماً وجروحاً أحياناً كما يجري في بعض دور رعاية الايتام
وشهدت منطقتنا العربية اشكلا جديدة من العنف منذ احتلال امريكا للعراق مرور بثورات الربيع العربي بحيث اضطر الطفل للخروج للعمل كما في حالة العراق فتعرض لاشكال عديدة من الاستغلال ، كما جرى تجنيد الاطفال في اعمال الارهاب مثلما فعلت داعش باطفال العراق وسوريا .
* انعكاسات العنف على الطفل
تتسبّب إساءة معاملة الأطفال في اصابتهم بمشكلات صحية ونفسية تكبر معهم في مراحل عمرهم المختلفة، حيث يؤدي تعرضهم للعنف في حدوث إجهاد يؤدي إلى عرقلة نماء الدماغ في المراحل الأولى. كما يمكن أن يؤدي الإجهاد الشديد إلى عرقلة نماء الجهازين العصبي والمناعي.
ونتيجة لذلك تزيد مخاطر تعرّض الأطفال الذين عانوا من إساءة المعاملة لمشاكل صحية سلوكية وجسدية ونفسية عند الكبر، ومنها اقتراف العنف أو الوقوع ضحيّة له؛ الاكتئاب؛ التدخين؛ السمنة؛ ويمكن أن تسهم إساءة معاملة الأطفال، من خلال تلك العواقب السلوكية والصحية النفسية، في التعرّض لأمراض القلب والسرطان والانتحار والعداوى المنقولة
ويواجه الطفل مشكلات عديدة من ضعف وسوء النظام التعليمي الذي يكرس للحفظ والتلقين دون ان يحرص على تنمية مهارات الطفل الفردية ويشجعه علي الابتكار، فالنظام التعلمي العربي يقدس حصول الطفل على اعلي الدرجات والحصول على الشهادة، دونما العناية بالجانب التربوي والمهاري والسلوكي الحضاري .
وتغفل النظم التعليمية في اوطاننا اهمية التربية الوجدانية وضرورة العناية بالجوانب العاطفية والشعورية التي تشكل الشخصية الإنسانية المتكاملة.
وتعتمد التربية الوجدانية علي محضن الاسرة الاساسي باعتبارها أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر في شخصية الكائن الانسانى، برعايته له في فترة الطفولة التي تشكل فترة بناء وتأسيس ورسم شخصيته ولذلك فان الباحثين المتخصصين يرجعون الانحراف السلوكي و بين نشأتهم في الأسرة المفككة.
وتأتي المدرسة في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في تنشئة الطفل، بتحملها تعليم الصغار بالتعاون مع الأسرة من أجل توسيع مدارك الطفل وجعله يحب المعرفة والتعليم، مما أدى إلى بروز المدرسة كمؤسسة اجتماعية مهمة، ، فيتعلم الطفل في المدرسة الحقوق والواجبات، وضبط الانفعالات، والتوفيق بين حاجته وحاجات الغير، ويتعلم التعاون، ويتعلم الانضباط السلوكي".
في اعتقادي ان النظام التعليمي لابد وان يشعرالطفل بالأمان والحب والجمال حتى يسهل علينا تعليمه القيم والمبادئ الخلقية في الاديان السماوية بأساليب غير مباشرة مثل: العدل، المساواة، الحرية، الحق، الإخاء. وتعليمه قيمة التسامح والانتماء الوطني ليشمل حبه واهتمامه أبناء وطنه كافة على اختلاف أديانهم, وتعليمه الانتماء الإنساني ليشعر بالأخوة الإنسانية تجاه أبناء آدم.
وتلعب حكاية القصص الخيالية لطفل ما قبل المدرسة دور مهم في اشباع رغبته في التخيل. مع ربط هذه القصص بالواقع الذي يعيشه من خلال الدراما الخلاقة والاجتماعية .
كما الطفل بحاجة شديدة الي مشاهدة ومعرفة نماذج مختلف من القدوة الحسنة للطفل ليقوم بملاحظتها وتقليدها .
ولعله من العوامل المهمة في تشكيل البناء الوجداني للاطفال هو تشجيعهم باستمرار فتشجيع الطفل يؤثر في نفسه تأثيراً طيباً, يحثه على بذل جهده لعمل التصرف المرغوب فيه, وتدل الدراسات أنه كلما كان ضبط سلوك الطفل وتوجيهه قائماً على أساس الحب والثواب أدى ذلك إلى اكتساب السلوك السوي بطريقة أفضل, ولا بد من مساعدة الطفل في تعلم حقه, ماله وما عليه, ما يصح علمه وما لا يصح, وذلك بصبر ودأب مع إشعار الأطفال بكرامتهم ومكانتهم, مقروناً بحسن الضبط والبعد عن التدليل.
ويدخل في تشكيل شخصية الطفل عنصر مهم هو تعليمهم وتعويدهم علي التعامل برفق ولين ، وذلك مصداقا لقول المصطفي ا صلى الله عليه وسلم: " إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف "
* أدب الطفل
ويعتبر أدب الأطفال، بما يحويه من قصص وأشعار وحكايات، في صيغة كتاب أو مجلة أو شريط مسموع أو مشاهد، ميدانا هاما لتنمية قدرة الطفل على الإبداع وتنمية القدرات الابتكارية عندهم.
كما يعتبر وسيطا مناسبا في الجانب التربوي للتعليم، وتنمية القدرات الذهنية، واستقرار الجوانب النفسية لدى الطفل، كما انه يتيح للطفل الشعور بالرضا، والثقة بالنفس، وحب الحياة، والطموح للمستقبل، ويؤهله لكي يكون إنسانا ايجابيا في المجتمع.
غير الادب الموجه للطفل العربي ـ للاسف ـ لا يقدم له ما يناسب عقله ، وتسيطر عليه الترجمة بجانب انتشار الخرافة والمبالغات والخيال فيه، وهو ما يتطلب من المجتمعات العربية تشجيع المبدعين في حقل الكتابة للاطفال ليبدع أدبا نابعا من مجتماعتهم ويعبر عن ثقافاتهم وقيمها الاصيلة
تأثير الإعلام علي الطفل
يتعرض الطفل العربي لمخاطر انفجار البث الفضائي تحمل ثقافات بعيدة عن ثقافة مجتمعنا العربي ، وكثير منها يمثل ثقافة نفعية انتهازية ، مثل كارتون الشهير(توم وجيري) يعرض للطفل كيف يمكن للفأر الصغير الضعيف الخبيث أن ينتصر على القط الضخم بالخداع والحيل واستسهال الإيذاء والتسبب في الألم الشديد له، وتنزل كلمة النهاية على وجه الفأر وهو يتلذذ بقهر القط بدهائه وخبثه.
الانترنت سلاح ذو حدين
يلعب الانترنت دورا رئيسا في عالمنا الكوني المعاصر، خاصة لدي الصغار الذين وجدوا فيها علما افتراضيا يتفاعلون معه بكل الصور سواء تعلمهم او تثقيفهم او العابهم ، لكنه أثر سلبيا علي النمو الفكري للصغار، حيث أفقدهم القدرة علي التمييز بين ماهو واقعي وماهو خيالي كما أنهم غير قادرين على تطبيق الواقع في العالم الافتراضي.
ويرى البروفيسور جيمس كولنز ـ وهو متخصص في الكتابة وطرق التدريس في جامعة نيويورك ـ أن العديد من المشكلات التعليمية تتمحور حول مدارس الأطفال التي تتيح الدخول للانترنت بشكل غير مقنن. فالطلاب الذين يعانون من مشاكل في مواد الكتابة يتخذون الغش وسيلة لعمل مشاريعهم البحثية. بجانب مشاكل الإملاء واستخدام عبارات عامية بسبب التعود على استخدامها في برامج التواصل. ولاتعد هذه التأثيرات السلبية تهديدا كبيرا على الأطفال فقط، بل على طلاب الجامعة أيضا.
كما يؤثر الانترنت علي النمو الاجتماعي للاطفال، فبرغم قد يدفع الصغار للتفاعل الإبداعي والثقافي مع الآخرين، غير ان سوء استخدامه يمنع الطفل من القيام بنشاطات اجتماعية، كالواجبات المدرسية والمنزلية ، وقضاء وقت مع الأسرة والأصدقاء.
كما انه قد ترعض لاشكال من العنف عند مشاهدته للمواقع العنيفة وقد يكتسب صفات سلبية عن نعرضه للانتنت مثل التحيز والكراهية والمواد الاباحية التي تعلم الصغار الجمس بطرق خاطئة وقد يتعرضون ايضا للتحرش .
وهذه القضية بالذات تتطلب رقابة اسرية ومجتمعية وحكومية لمنع مصادرالمواد الإباحية على شبكة الإنترنت، ووضع قوانين صارمة للحفاظ علي الطفولة من هذه الاعتداءات الغاشمة على براءتها ونموها العقلي والوجداني .
تأثير أزمات المنطقة على الاطفال
لا شك ان الازمات السياسية التي تمر بها العديد من دولنا العربية كما في العراق وسوريا واليمن وليبيا وما افرزته من حروب، دفع الاطفال العرب ثمنا باهظا لها من امانه النفسي نخاصة ممن انتقل منهم لمراكز الايواء او تم تهجيره لبلاد بعيدة مع اهله كلاجئين. وهي معاناة انسانية بكل المقاييس، لانها زرعت الخوف والقلق في نفوس الصغار .
وللاسف هذه الفئة من الاطفال ضحايا النزاع السياسي والعسكري يتأزمون كثيرا نتيجة هذه الكوراث ويمليون للعنف، ويتغير مزاجهم العام ويعانوني من فقدان للشهية، والشعور بعدم الاستقرار، واضطرابات النوم والقلق والكأبة والحزن والخوف، وعدم المبادرة والتردد، وتشتت الذهن وضعف الذاكرة والتذكر خاصة تلك الأمور المتعلقة بالدراسة والمدرسة، وتظهر لديهم أيضا مشاعر القلق والخوف ومشكلة التبول اللاإرادي.
واعتقد ان العالم العربي بحاجة شديدة لعلاج هؤلاء الصغارنفسيا واجتماعيا علي أيدي متخصصين بمعاونة الأسر لكي يعيدوا اليهم مشاعر الامان التي افتقدوها وعصفت بهم، والعمل علي زرع الافكار الايجابية في نفوسهم بشرح ان هذا العنف الدموي امر مؤقت وسيزول، مع شغل اوقات الصغار بالدراسة المحببة واللعب لتفريغ شحنات غضبهم وخوفهم بطرق مسلية.