السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في عهد الرئيس بايدن
السفير الدكتور موفق العجلوني
04-02-2021 04:28 AM
تناول مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في مدينة أبو ظبي قبل أسبوعين ندوة حوارية افتراضية حول نتائج الانتخابات الأمريكية 2020 تحت عنوان: "الرئيس المنتخَب جو بايدن ومستقبل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط "، شارك فيها نخبة من القامات الفكرية الإماراتية و من الدول الشقيقة و الصديقة حيث طرحوا أبرز الملامح المتوقعة لسياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط خلال فترة الرئيس بايدن.
وتضمّنت الندوة، ثلاث جلسات عمل رئيسية :
الجلسة الأولى كانت بعنوان:"قراءة في نتائج الانتخابات الأمريكية"، حيث اكد المتحدثون أنه ونتيجةً الانتخابات عام 2020، فإن كتلتَي الوسط في الكونغرس الأمريكي تستحوذان على الأصوات الأهمّ في مجلسَي النواب والشيوخ على حدّ سواء، وهو ما يعني أنه إذا ما توصّلت هاتان الكتلتان إلى تشريعات توافقية، فإنه من الممكن أن يقبل الرئيس وزعماء الحزبين السياسيّين هذه التشريعات. وإن الأنتخابات جرت في ظل مستوى عالٍ وغير مسبوق من التعبئة السياسية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية ، والتي كان الحزبان حريصَيْن بشدّة على الدعوة إلى المشاركة فيها، ، الأمر الذي يدلّ على زيادة الحَميَّة السياسية لدى الجانبين الجمهوري و الديمقراطي ، وتعكس الانقسامات الشديدة في الولايات المتحدة الأميركية . ومن اللافت للنظر أنه على الرغم من سيطرة الديمقراطيين الآن على الكونغرس، بمجلسَيْه الشيوخ والنواب، فإن حجم الأغلبية قد تقلّص.
اما الجلسة الثانية:"فقد تناولت التحولات المحتمَلة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وانعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط "، حيث أشار المتحدثون انه من المتوقع ان تكون إدارة الرئيس بايدن متعاونة بشكل اكبر من الإدارة السابقة مع دول مجلس تعاون الخليج العربية. وكما هو معروف ان دول مجلس التعاون هي موضع ثقة بالنسبة للولايات المتحدة و دول يعتمد عليها. من خلال تعاونها بنجاح كبير مع نحو أربعة عشر رئيسًا أمريكيًّا على مدى الأعوام السبعين الماضية .علاوة على ان الرئيس جو بايدن مختلف كلياً عن الرئيس السابق ترامب، فالرئيس جو بايدن يمثّل في نواحٍ كثيرة تيّارًا في السياسة الخارجية الأمريكية. وأن أولوياته في الداخل هي مواجهة فيروس كورونا، ووحدة الشعب الأمريكي هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، في الخارج التحالف الغربي، وإدارة المنافسة مع الصين، ثم تأتي بعدهما بقية الأمور في العالم، و على رأسها الشرق الأوسط.
اما بخصوص القضية الفلسطينية،فأشار المتحدثون انها ستأخذ في ظل إدارة الرئيس بايدن مكانتها في الوضع الاستراتيجي العام في الشرق الأوسط، وأن الرئيس بايدن سيحاول إحراز تقدم أفضل في هذا الملف من خلال استئناف تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية وحشد الموارد للوصول إلى مرحلة التفاوض على حلول التسوية.بنفس الوقت ، هناك الكثير من القضايا الحيوية التي ستتعامل معها إدارة بايدن في منطقة الشرق الأوسط ، من بينها المملكة العربية السعودية ، و التعامل مع الملف النووي الإيراني .
اما الجلسة الثالثة و الأخيرة فكانت تحت عنوان " التهديدات الإقليمية والخطط الاستراتيجية لمواجهتها" ، فقد أشار المتحدثون ، أن الرئيس جو بايدن” عازم على إعادة التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، اخذاً في الحسبان مخاوف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والتأكد من أن أي اتفاق يتم التوصَّل إليه يُجبر إيران على وقف طموحاتها النووية لمدة طويلة جدًّا، بحيث تزيد على مدة الأعوام الخمسة عشر التي تم الاتفاق عليها في الاتفاق السابق، وتوقف ايران انتشار الصواريخ الباليستية الإيرانية القادرة على تهديد استقرار المنطقة، ومعالجة الأنشطة التي تمارسها إيران، والتي تؤثر سلبًاً على حلفاء الولايات المتحدة، مثل دعمها العنف، والجهات غير الحكومية الفاعلة في المنطقة، إلى جانب إشراك دول مجلس تعاون الخليج العربية في عملية التفاوض بشأن الاتفاق.
بنفس الوقت فقد أشار بعض المتحدثين ان المنطق الذي ستلجأ إليه إدارة الرئيس بايدن هو عدم السعي خلف الإيرانيين، وعدم محاولة إرضائهم، مع منحهم منفَذًا للدخول منه، في حال أبدَوْا مرونة في التعامل، ومنفَذًا آخر للدخول منه، في حال أبدَوْا تعنّتًا، متوقعًا ألا يشهد هذا الملف سوى قدر محدود من التقدم في الشهور الأولى، ليتم بعد ذلك تحقيق بعض التقدم، عقب الانتخابات الإيرانية.
فيما أشار متحدثون اخرون، إن هناك اتجاهين في إدارة الرئيس بايدن بشأن التعامل مع الملف الإيراني، الاتجاه الأول ، العودة إلى الالتزام بالاتفاقية القديمة، وهو ما تعتقد إسرائيل أنه سيكون خطًأ كبيرًا. والاتجاه الاخر،أن الافتراضات التي استند إليها اتفاق 2015 أثبتت أنها ضعيفة للغاية خلال السنوات القليلة الماضية. اما اذا رغبت إدارة الرئيس الاتفاق مع إيران، فسيكون عليها بناء هذا الاتفاق على أساس مختلف عن الاتفاق السابق، من خلال التعامل مع جميع الثغرات المُحتمَلة، كتلك المتعلقة بعمليات التفتيش التي لم تكن متاحة في جميع الأماكن والأوقات، وبالأسلحة وبالجوانب العسكرية، خاصة أن الاتفاق سينتهي قريبًا، وأن إيران لا تثِق بأن المجتمع الدولي سيمنح برنامجها النووي الشرعية الكاملة.
من جهة أخرى أشار بعض المتحدثين ان اكثر القضايا الشائكة والتي ستتعامل منعها إدارة الرئيس بايدن ستكون مسألة العلاقات التركية-الأمريكية في ظل استمرار الخلاف بين الجانب الأميركي و التركي بشأن منظومة الدفاع الصاروخية من طراز “إس-400″، وهي المشكلة المحورية، بالإضافة إلى وجود الكثير من القضايا الخلافية بين واشنطن وأنقرة.وإن الفترة المقبلة ستكون فترة صعبة للغاية في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، في ظل عدم وجود أجواء مريحة ومستقرة بين الرئيس بايدن والرئيس أردوغان، على عكس تلك التي كانت سائدةً بين الرئيس ترامب وأردوغان، أو بين الرئيس أوباما وأردوغان، كما أنه من المتوقع ألا يكون هنالك أي تحرك باتخاذ أي خطوات إيجابية تجاه تركيا قبل أن تقوم بتغيير سلوكها في العديد من القضايا .
هذا ومن المعلوم ان مركز الامارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية من انشط المراكز في الشرق الأوسط ، و خاصة انه يستضيف قامات علمية و سياسية و خبراءإماراتيين وعرب و مسلمين و أجانب ، و يتم تناول كافة القضايا العالمية بالتحليل و الخروج بالتوصيات المناسبة لمعالجة هذه القضايا . و من المعلوم ان هذه الندوة الهامة والتي رعاها المدير العام لمركز الامارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية الدكتور سلطان النعيمي ضمت العديد من المتحدثين اسهموا في اغناء النقاش و الحوار و التحليل . و بالتالي الشكر موصول للدكتور النعيمي على هذه النشاطات المميزة والمتميزة للمركز و عقد هذه الندوة الهامة و التي عودنا عليها المركز منذ تأسيسه ، و في هذا الظرف الذي يعيشه العالم من تحديات سياسية و اقتصادية و امنية و صحية ، يحتاج المجتمع الدولي التعاون لمواجهة هذه التحديات . و يتطلع العالم الى إدارة الرئيس جو بايدن للمساهمة في إقامة السلام و الامن في العالم و خاصة في منطقة الشرق الأوسط والتي تواجه تحديات امنية كبيرة ، وخاصة ان تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.