صواريخ مجهولة النسب والهوية
عريب الرنتاوي
25-04-2010 02:42 PM
وفقا لبيانات العواصم ذات الصلة، فلا هوية أو جنسية للصاروخين الذي سقطا على أرض العقبة وبحر إيلات، لكأنهما مجهولي النسب، يتيمي الأب والأم، مع أن الصاروخين وإن كانا هبطا من السماء إلا أنهما لم ينطلقا منها بكل تأكيد، والإرهابيون الذين ضغطوا على الزناد، لا يمتلكون بعد تكنولوجيا صواريخ جو – أرض، هي انطلقت من الأرض وعادت إليها، ونحن الذين نعرف أين سقطت ما زلنا نجهل حتى الآن، مكان انطلاقها وهوية مطلقيها.
حين يصرح رئيس الحكومة الأردنية بأن لديه ما يؤكد مائة بالمائة بأن هذين الصاروخين لم ينطلقا من الأردن، فنحن نصدقه، وليس لدينا ما يدفعنا لعدم تصديق روايته، وعلى أية حال فقد ثبت وفقا لمصادر عدة، بأن هذه الصواريخ انطلقت من سيناء، وأنها استهدفت إيلات لا العقبة، وأنها سقطت بالخطاء في الأراضي الأردنية، وهذا أمر يحصل للمرة الثانية على أية حال، وهو دلالة على عدم دقة الأدوات وعدم احترافية المنفذين، وهذا أمر حصل من قبل ويتكرر حصوله الآن.
أيا يكن من أمر، فلن يسيء الأمن المصري، ولا الأمن الأردني أن ينطلق صاروخان من على أراضيهما، ومن هذه النقطة الجغرافية بالذات، ولقد كتبنا زمن صواريخ العقبة / إيلات في 2005 وقبلها وبعدها زمن العمليات في طابا وذهب وشرم الشيخ، أن هذا "الكوريدور" المفتوح على البحر والصحاري والقفار، والذي تتشاطئ حوله أكثر من نصف دزينة من دول المنطقة، هو "كوريدور أمني رخو"، فهو تاريخيا "طريق تهريب" لطالما استخدم لنقل البضائع (أية بضائع) والأشخاص (أيا كانت وجهتهم واتجاهاتهم)، وهو جغرافيا يمتد من بادية الشام وصحاري العراق والسعودية مرورا بالنقب وسيناء وانتهاء بالصحاري الأفريقية، وهو ديموغرافيا يضم قبائل تتشاطر الأحساب والأنساب والمصاهرات والأصول والمنابت، ومن الصعب، إن لم نقل من المستحيل التحكم به والسيطرة عليه.
ولقد زاد الأمر تعقيدا، أن صادف وقوع العديد من المواقع السياحية الاستراتيجية على امتداد هذا "الكوريدور"، وفي مصر والأردن وإسرائيل، والسياحة كما هو معلوم تكره الإجراءات الأمنية المشددة ولا تنتعش إلا بغيابها، ولهذا تعد المرافق السياحية من منظور أمني "أهدافا رخوة" يسهل الوصول إليها، وهذا ما حصل في الماضي وتكرر حصوله الآن وقد يحصل في المستقبل كذلك.
قبل حكاية الصواريخ، التي قيل أنها "إمبرّدة"، كانت إسرائيل تطلق الإنذارات لرعاياها بمغادر سيناء خشية من التعرض للاختطاف، وكانت الشائعات تملأ الأرض والفضاء عن اختطاف سائحين إسرائيليين، ولقد استجابت حماس لطلب أمني مصري وأغلقت الأنفاق من جهتها خشية تسرب المختفطين المفترضين، في سابقة ذات دلالة على التعاون الأمني المصري الحمساوي، فما الذي يجعل "التهديد الإرهابي" محتملا ومصرحا به آنذاك، وما الذي جعله مستحيلا ومكذّبا الآن، وفي حالة الصواريخ ؟!
إن الرد على مثل هذه المحاولات الإرهابية لا ينبغي أن يتسم بالارتباك والمبادرة إلى النفي أبدا، وإلقاء اللائمة على "الغاز والكهرباء"، بل بوضع الحقائق في نصابها، ولا ينبغي لنا أن نجزع جراء وقوع مثل هذه الحوادث المتفرقة حتى بفرض أنها استهدفتنا وانطلقت من أراضينا، فهي معزولة من جهة، وليس لمنفذيها قواعد اجتماعية في الأردن من جهة ثانية، وهو لا تمس صورة الأمن والاستقرار التي ميّزت الأردن على الدوام وتميزه الآن كذلك.
وإذا كان مفهوما أن يمتنع الأردن رسميا عن ذكر مصدر الصواريخ المنطلقة، فإن من غير المفهوم أن تتسم تعليقات الأشقاء بالنرفزة والإنكار، فهذا لا يعزز أمنا ولا يجلب استقرارا، وقد "يأتينا بالأخبار، وفي أية لحظة، من لم نزود"، سواء كان من إسرائيل التي اعتاد إعلامها البث المباشر في مثل هذه الظروف، وخلق بلبلة وتعمد توزيع الاتهامات والمسؤوليات، أو من الجهة المنفذة، التي قد تكون ذات الجهة التي سبق لها أن نفذت عمليات في هذه المنطقة أو انطلاقا منها: القاعدة.
عن مركز القدس للدراسات.