وكأنّ عالمنا المعهود قد تغيّر , ففي كل يوم نسمع و نقرأ اخبارا تتحدث عن فيروسات جديدة تضرب كرتنا الارضية تلك التي لم تتعافى بعد من جائحة كورونا ...
ماذا يحصل وكيف نستطيع قراءة المشهد ؟
هنالك عدة سيناريوهات تُفسّر هذه الفوضى الحاصلة و نستطيع من خلالها رسم تصوّر لما هو قادم , بعضها منطقي_ تاريخيّ و بعضها عِلميّ و بعضها شكّلها و كوّنها اصحاب نظرية المؤامرة .
اولاً
اذا اردنا أن نرى المشهد من ناحية منطقية فمن الطبيعي أن تشهد البشرية انتشارا للفيروسات و الاوبئة نظرا لإزدياد اعداد السكان بشكل كبير و انعدام اسس تنظيم الاسرة خصوصا في المناطق النامية و الفقيرة و التي تعاني انظمتها الصحية من نقص كبير في المعدّات و الخبرات , هذا عدا عن التلوث الكبير الذي تخلّفه الكثافة السكانية التي تحدث في مناطق تفتقر للتنظيم .
ثانياً
تلعب بعض الثقافات و الممارسات لدى شعوب العالم دوراً كبيراً في نشوء الفيروسات و الاوبئة , فعلى سبيل المثال تُمارس شعوب الشرق الاقصى طرقا متنوعة لدفن امواتهم تتمثل في حرقهم و رمي اجسادهم في الانهار , و هذه الانهار تعتبر مناطق تجمّع لممارسة طقوس دينية و عقائدية مختلفة , بالرغم من احتواء المياه فيها على انواع مختلفة و خطيرة من البكتيريا و الفيروسات التي تنتظر الظروف المناسبة لضرب صحة البشر و انظمتهم الصحيّة , و ينطبق ذات الشيء على النظام الغذائي التي تمارسه هذه الشعوب , و هنا يقع على عاتق الدول تشديد الرقابة على السكان التي من الممكن أن تكون ممارستهم اليومية سبباً في تفشي الامراض الخطيرة و المُعدية .
ثالثا
إن سعي البشر نحو تطوير العلاجات المختلفة و دراسة الفيروسات و نشأتها قد يكون بدون قصد سبباً في توليد فيروسات شديدة العدوى و قاتلة , خصوصا إن تمّت هذه الدراسات في مختبرات تفتقر إلى انظمة الرقابة الصارمة , ما قد يسبب تسرّباً لهذه الفيروسات من الدوائر المغلقة للمختبرات و انطلاقها نحو العالم و هنا تكون الدراسة و التحليلات الغير مُنظمّة سببا في تفشي الاوبئة , هذا إن اعتبرت هذه الاحداث حوادث غير مقصودة و لم يكن المسبب لها دول أو انظمة .
رابعاً
إن اردنا قراءة المشهد من زاوية مؤامراتية فعندها ما علينا إلّأ العودة لنقطة المختبر و التعمّق فيها , فالمؤمنون بنظرية المؤامرة لديهم يقين كبير بأنّ الفيروسات المختلفة ما هي إلّا اسلحة بيلوجية ابتدعها البشر لتحقيق اهداف سياسية و اقتصادية أو حتى دينية مختلفة , و في ذات الوقت يمتلك مبتكرو هذه الفيروسات اللقحات و الادوية مسبقا لكنّهم ينتظرون الظروف و الاوقات المناسبة لتوزيعها .
خامسا
إن عدنا للتاريخ القريب أو البعيد و قارنّا الاحداث الدائرة الآن بما حدث في الماضي سنخرج بنتيجة مفادها بأنّ لا جديداً يحدث الآن , فقد ضربت الكرة الارضية فيروسات و امراضاً عديدة في الماضي لجأ اسلافنا للتباعد و لبس الكمامات ايضا لكبحها و التخلّص منها , فالانفلوزا الاسبانية اهلكت في الماضي ملايين البشر و مثلها فعل الطاعون و شلل الاطفال و غيرهم العديد من الامراض , لكن نظرا للتطور التكنولوجي و التقني و سهولة التواصل بين البشر في مختلف بقاع العالم راح البشر يُفسّرون تلك الاحداث عشوائيا و ربطها بالاحداث السياسية و الاقتصادية .
ما لا شك في أننا مقبلون على عالم جديد تختلف تقييمات موازين القوى فيه عن الماضي , فالدولة القوية الآن هي من تمتلك نظام صحيّ و صرامة في تطبيق الاجراءات التي من شأنها الحد من وطأة الطوارى و الاحداث الفجائية عليها , حتى العشوائية في تكوين الأُسر ستصبح عادة ً من الماضي فالدول التي لم تسنّ قوانين لتحديد النسل ستطلع قدما لضبط معدلات المواليد العالية , و ايضا ستعيد الدول ترتيب اوراقها الثقافية و الدينية مع سكانها للسيطرة على أيّ ثغرات قد تحدث , و الدول التي تتراخى مع تطبيق هذه القوانين و السعي لتحقيقها سوف تعتبر دول بدائية مهما كان ناتجها المالي و الاقتصادي , فالعالم الجديد قادم لا محالة.