توشك الحكومة على تجهيز قانون انتخاب جديد بعيدا عن الأضواء تمهيدا لإعلانه أواخر الشهر المقبل, بتعديلات شكلية من بينها تفتيت الدوائر إلى "مقعد لكل منطقة" ومضاعفة المقاعد المخصصة للمرأة إلى ,12 لكن مع الإبقاء على نظام الصوت الواحد الجدلي.
التعديلات المتوقعة تجرى في إطار عملية تجميل سياسي, على ما يرى ساسة وحزبيون, لإرضاء الغرب على حساب مأسسة إصلاحات حقيقية مطلوبة.
المعلومات التي ترشح من مطبخ صياغة مشروع القانون تتحدث عن تطابق في وجهات نظر متخذي القرار حيال نوعية الإجراءات الإدارية المطلوبة لضمان سلاسة, نزاهة وشفافية الانتخابات, المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ المقبل. لكن الاختلاف بينهم يتمحور حول مضامين نظام الانتخاب كالبعد بين السماء والأرض.
ثمّة توافق حول منح المرأة ستة مقاعد إضافية, تتنافس عليها على مستوى المحافظة (12 على امتداد المملكة). وقد يستقر الرأي الآن على تخصيص أربعة مقاعد أخرى للمرأة لإغلاق أعضاء المجلس المقبل عند 120 بدلا من 110 كما هو الآن.
الغالبية المحافظة سياسيا المسيطرة على مقاليد الدوار الرابع تؤيد تصغير الدوائر, ما يصب في مصلحة اعتماد العشائر كوحدة أساس للعملية الانتخابية. النظام المقترح يقوم على مبدأ الدوائر "الافتراضية", أي منح مقعد واحد لكل دائرة/ منطقة وهمية; ويحق لكل عشيرة التسجيل في الدائرة التي تختارها. وفي مناطق تعد أصلا دائرة واحدة مثل السلط, قد تقوم الوحدة المصغرة على مبدأ الدائرة الجغرافية بحيث يستحيل تصغير المنطقة إلى دوائر افتراضية.
آلية تصغير أو فكفكة الدوائر ستصب في مصلحة مناطق محددة ذات كثافة سكانية مختلطة مثل العاصمة, الزرقاء واربد ما سيرفع التمثيل الديمغرافي لمقاعد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. لكن في الغالب ستتكرس العشائرية وسيتعزز التفتيت على أسس جهوية ضيقة ما قد يفرز مجلسا يشابه ذلك الذي حل أواخر العام الماضي من حيث طغيان نواب الوساطة والمحسوبية.
غالبية أعضاء اللجنة الوزارية المعنية بتعديل القانون وقفت ضد اعتماد نظام مختلط يقوم على قاعدة تمثيل فردي للدوائر وآخر نسبي للقوائم بما يساعد على تأطير الناس في مؤسسات مدنية وحزبية وينقل الإصلاح السياسي خطوة إلى الإمام صوب دولة المواطنة والقانون والمساواة في الحقوق المدنية.
اللجنة اجتمعت أكثر من خمس مرات منذ تشكلّت الحكومة أواخر العام الماضي لتنفذ أوامر الملك بضمان انتخابات عادلة ونزيهة. كما تعمل وزارتا التنمية السياسية والداخلية على مسارين متوازيين لجمع الأفكار وفرز الصالح من الطالح. جهات متنفذّة خارج أسوار الدوار الرابع تشارك من جانبها أيضا في إنضاج طبخة القانون الجديد.
مخرج الدوائر الافتراضية يوفر نظاما أكثر قبولا في غياب بدائل أخرى تبررها مخاوف تغيير الهوية السياسية للدولة قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة غرب النهر.
كما أن غالبية الأحزاب السياسية بما فيها التيار الإسلامي واسع النفوذ لن تعارض المقترحات الجديدة, بحسب ساسة وحزبيين. فهي تدرك أن آلية تصغير الدوائر ستساعد على تركيز جهودها لحشد دعم شخصيات عشائرية أو ذات وزن اجتماعي أو مالي في هذه الدوائر لضمان حصد أكبر عدد من المقاعد التابعة والحليفة.
في المقابل, تنقسم الآراء حيال أهمية التغييرات بين ساسة وحزبيين وحتى المواطنين في دولة ما تزال غالبية المستطلعة آراؤهم فيها ترى أن قانون الصوت الواحد المعتمد منذ 1993 هو الأفضل للمحافظة على سياسة الأمر الواقع.
هذه الاختلافات تعيد طرح سؤال فيما إذا كان قرار حل مجلس النواب من دون إبداء أسباب, مقنعا ومفيدا في سياق تعزيز التحديث الشامل المطلوب?
بعض الساسة يقرون بأنه كان من الأفضل إبقاء مجلس النواب الأخير الأكثر اطاعة في تاريخ الأردن الحديث لحين انتهاء دورته عام .2012 فترة عامين كانت ستكون كافية, ربما, لإقرار قانون انتخاب جديد يحاكي مصالح الحكومة, ويصادق عليه مجلس الأمّة, مدعوما بقاعدة شعبية حزبية ومؤسسات المجتمع المدني.
القانون الجديد صاغته أقلية تمثل لاعبين رسميين بعيدا عن الأضواء من دون حوار وطني حقيقي وشفافية عاليه, ما يثير أسئلة مشروعة حيال نوايا التحديث السياسي وتوافر الإرادة المناسبة لتنفيذ ذلك.
لذلك ستظل اسطوانة التحديث السياسي وعنوانها الرئيس قانون انتخاب "عصري" يعزز الحقوق السياسية ويوسع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار, تدور في حلقات مفرغة بخطوات تمس الشكل وليس المضمون.
فالكوتا النسائية وتصغير الدوائر تغييرات قد تعيدنا إلى المربع الأول ولن تخدم مصلحة الدولة العليا. فهي كحال الطبيب الذي يفضّل استعمال الحبوب المهدئة لإسكات أنّات المريض بدلا من إعمال مبضع الجراح ضمن منظومة علاج وتأهيل متكامل.
التوليفة الجديدة ستحدد مسبقا هوية الفائزين في الانتخابات: العشائر, الإخوان المسلمون, المرأة وبعض الأحزاب. وستعود غالبية الوجوه النيابية السابقة كما تتواصل لعبة الاسترضاء التي لا تخدم مصالح الأردن العليا ولا تأخذ بالاعتبار طموح كل مكونات المجتمع. وبذلك يضيع المزيد من الوقت لمصلحة سياسات المراوحة.
في المحصلة, يبدو أن الانتخابات المقبلة لن تكون بمستوى طموح الشعب والملك الشاب ورؤى التحديث الشامل. ذلك أن الحكومة تفصّل اليوم في الخفاء قانونا يتماشى مع مصالح نخبها, على حساب مصلحة الدولة وأفق الديمقراطية.
فالمسير صوب الديمقراطية هو الضمانة الرئيسية لحماية الأردن مستقبلا من حيث توسيع قاعدة المشاركة والمعارضة والدفاع عن مصالح الدولة ونيل الدعم الاقتصادي وجلب استثمارات, والتعامل مع التحديات الخمس التي باتت تقلق صانع القرار وأكثر من ستة ملايين مواطن. وغيابها لن يساعد على توفير حلول لإصلاح الأوضاع السياسية, الاقتصادية والقضاء وحمايته من التطاول في مفاصل رئيسية, وأيضا مواجهة تعثر عملية السلام. فهذه التحديات لا تعالج إلا في اطار دولة قانون تراعي حقوق الإنسان, بما فيها السياسية.
تظل الطريق طويلة صوب الإصلاح بما أن الحكومة قررت المحافظة على قانون الصوت الواحد مع تصغير الدوائر وتأميم المسارات السياسية.
فلا الكوتا ولا الدوائر الافتراضية إصلاح حقيقي. الرابح الأكبر سيكون الجمود السياسي, مزيد من القلق والخوف وشبح الديمغرافيا والجغرافية بينما يبقى غالبية اللاعبين في مسرح التشريعي من دون تغيير.
مثل هذه المعالجة المقلوبة, ستفتح الباب مرة أخرى أمام حل المجلس القادم قبل موعده الدستوري لأن المدونة السلوكية التي ستنظم علاقة الحكومة بالمشرعين لن تنفع. وتظل المسافة واسعة بين العناوين شعارات الخطاب الرسميٍ وبين المضمون. في الأثناء, ترحّل القرارات المصيرية وتتنامى فجوة الثقة بين الشعب والرأي العام على وقع الاستخفاف المستمر بعقول الناس.0
rana.sabbagh@alarabalyawm.net
العرب اليوم